تشهد الحياة الفنية والثقافية في المملكة كما هو ملحوظ حركة ونشاطا وتواصلا بين الفنانين والجمهور المهتمين والممارسين للفنون، ما خلق وخلال فترة قصيرة، روحا جمالية واعية بقيمة الهوية والكفاءة الوطنية والطاقة البشرية ودورها في تثبيت الخصوصية وعلاماتها ورموزها وروّادها وفرض ضرورتها الأساسية ودورها في تعزيز الانتماء بين كل أفراد المجتمع من أجل النهضة الجماعية في كل القطاعات والانفتاح على العالم بفرض الذات المبتكرة المنجزة بحضورها الفاعل.
ولعل كل ما تطرّقنا له إيجابي ومُهم ونفتخر به جميعا غير أن بعض الثغرات تحتاج أكثر من عين لترصدها وتسلّط الضوء عليها وتتفهّمها لتكون لها قيمة وفائدة وحتى لا تكون مجرّد نشاز على الحركة الثقافية والفنية، وهي اللقاءات الحوارية والحلقات النقدية التي تُقدّم بالتوازي مع المعارض والتي يكون في أغلب المعارض ضيوفها من خارج المنطقة المنظمة، والتي تستوجب التنقّل بين المناطق، ولعل تواصل جهة التنظيم مع الضيوف سواء بالبريد الإلكتروني أو عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي يكون في بعض الأحيان غير منظّم ويفتقر لأبسط أساسيات التواصل الموقّت أو الإعلام المسبق بتفاصيل الاستقبال والترتيب والتعامل وفق مخطّطات الحضور والإقامة والاهتمام براحة المحاضر الضيف وضرورة تخصيص يوم فاصل بين موعد تقديم برنامجه وموعد الوصول ما يتيح للضيف تكوين فكرة عن المشاركين، عن الفضاء الخاص بالملتقى أو المعرض، عن المحاور وعن خصوصيات ما بعد المعرض.
فالحوار واللقاءات التي يقدّمها محاضرو الفن وهي استشرافات قادرة على تكوين لبنات أساسية لخلق الفكر الفني والوعي بمضمونه بصريا وفلسفيا وفكريا وجماليا ما يخلق لدى المتابع والفنان نفسه روح تعاون وفهم وقراءة ونقد والتفاعل معها بالاستفسار والسؤال، وبالتالي فرض حيوية نقدية وتفكيك بصري لا يأخذ المعارض والأنشطة بشكل مُسقط كمجرد قوالب جاهزة وإنما كفعاليات ذات جودة ومضمون واحترام للكفاءات والأفراد.
إن هذه الحلقات التي تكون مبنية على الفكر والفلسفة الجمالية وطرح إشكاليات الفهم والنقد الفني مهمة بدرجات واعية وقادرة على نشر الوعي سواء للمتابعين أو المختصين فيجب أن يكون حضورها حقيقيا ولافتا بشكل له أهميّته، كما له إعلام خاص للأشخاص المحاضرين ومخصّص كبرنامج حقيقي وله أهميّته التي تفرض وجودها وتترك آثارها على الأعمال الفنية وعلى الفنانين وتشكّل رؤية جديدة ومعاصرة للحركة التشكيلية والفنية والنقدية بشكل يتواصل مع الكل وقادر على تطويع اللغة وإتاحة فرص التساؤل والاستنتاج وتحويلها إلى منصات إلكترونية تقدّم بشكل أساسي دورها الإعلامي والتوثيقي سواء بشكل مرئي ومسموع وكذلك مكتوب بتحويلها إلى كتب نقدية أو فتح زوايا جديدة للنقد.
لا يمكن للحركة الثقافية أن تتقدّم كما نريد ونطمح دون طرح الإشكاليات وأخذها على محمل الجد وتطويعها على محامل الإصلاح وتلك هي الرؤية الطامحة التي نسعى لها لتحقيق النهضة الشاملة.
@yousifalharbi