- البعض لا يقرؤون مطلقا لكنهم يصرون على الكتابة.. ولا أدري كيف
- التراث العربي العظيم تركه لنا أصحاب عقول لم تتوافر لهم إمكاناتنا
أشاد أستاذ البلاغة والنقد بكلية الآداب جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل، د. مصطفى الضبع بالمشهد الثقافي في المملكة، مؤكدًا أنه مشهد ثري بالإبداع، ويشهد تنوعًا ونموًا في المنتج الإبداعي شعرًا وسردًا، لكنه أبدى عدم رضاه عن حركة البحث العلمي العربية، ووصفها بأنها أصبحت سطحية، وتمر بأزمة كبرى تتعلق بسطحية الطرح وانتشار السرقات العلمية، وافتقاد الإبداع والابتكار، واستنكر إقدام بعض النقاد على طلب أموال من الكتّاب للكتابة عن أعمالهم، مشيرًا إلى أن ذلك يشبه القاضي الذي يبيع أحكامه.
* كيف ترى المشهد الثقافي السعودي من خلال حياتك في المملكة؟ـ مشهد ثري بالإبداع، يشهد تنوعا ونموا في المنتج الإبداعي شعرا وسردا، وفي أمسّ الحاجة إلى حركة نقدية تستوعب المشهد، وهو دور أساسي للجامعة وباحثيها، ليس مطلوبا من كل جامعة إلا أن تقدم كل خمس سنوات ناقدا يشتبك مع الساحة الأدبية، يكون لديه الاستعداد لقيادة طالبه إلى الإبداع خارج قاعات الدرس، وأن يعمل على تنمية ذائقة الطالب قبل أن يفرض هو ذائقته عليهم.
* لماذا تكتب؟
ـ أكتب لأن الكتابة مقاومة للفناء، ولأن النقد وعي، وقد ظلمناه وضيقنا مفهومه حين جعلناه اشتباكا مع النص فقط، وبدون الوعي النقدي لن تتقدم الأمم والشعوب.
* في رأيك كيف يجب التعامل مع النص الأدبي؟ـ النص مدينة ندخلها فيكون علينا العمل فيها بقوانينها هي لا بقوانينا نحن، لكل نص منطقه، وعلينا الاشتغال عليه بمنطقه هو لا بمنطقك أنت، عندما تزور أي بلد في العالم فأنت تتعامل مع أهله بقانونه وليس بقانون بلدك.
* ماذا تقصد بنظرية «سلق البيض»، التي قلت إنها سائدة في البحث العلمي؟
ـ «سلق البيض» يعني السطحية، وهي من ألد أعداء البحث العلمي، يمر البحث العلمي في الوطن العربي بأزمة كبرى، سطحية الطرح، سرقات علمية أصبحت عادة، وافتقاد البحث العلمي في كثير من جوانبه للإبداع والابتكار.
* يقال إنك قاسٍ على النقاد وتتهمهم بالتنظير وبعدم جدية البحث والنقد وأنهم فقط يكررون ما يحفظون.. لماذا؟ـ لم أتهم أحدًا، ولكنه واقع الحال، فالاتهام قد يكون فيه بعض التجني حين لا يوثق بأدلة، وتحدي الناقد في التطبيق وليس في التنظير، إذا كنت ستردد مقولات تكتم بها على أنفاس النص فلا تشتغل بالنقد، الناقد الحقيقي شخص موهوب يستوعب العالم ويفهم الأشياء ومجال عمله الحقيقي النص بمعناه الواسع، بعض النقاد تجدهم يرددون المقولات العالقة لها بالنص فقط، هم يتساندون على «عكاكيز» تشبه عصا سليمان، التي أكلتها دابة الأرض.
* قلت في أحد كتبك «هناك مَن لا يمتلك من اللياقة الفكرية ما يؤهله لكتابة جملة مفيدة».. ماذا تقصد؟ـ اللياقة الفكرية كاللياقة الجسدية، أن تمارس الرياضة وتنافس يجب أن تؤهل نفسك، وأن تتصدى للكتابة فيجب أن تشتغل على نفسك، أن تقرأ أكثر مما تكتب، ومنها جاء تصنيفي لطبقات الكتاب: هناك مَن يقرأ أكثر مما يكتب، وهناك مَن يكتب قدر ما يقرأ، وهناك مَن يكتب أكثر مما يقرأ، وهناك مَن لا يقرأ أصلا ويصر على الكتابة، ولا أدري كيف.
* هل على الباحث أن يكون موظفا أو صاحب رسالة؟ـ الكتابة كلها والعمل الفكري والثقافي رسالة وليست وظيفة، قد تجبرك الظروف على العمل بأي وظيفة لكن لا أحد يجبرك على أن تكون باحثًا، لذا إما أن تجتهد وإما أن تبحث لك عن عمل آخر، محصلة معظم الأعمال قد تندثر ولكن ما نكتبه يبقى، لذا من العار أن نكون سطحيين ونترك للزمن محصولًا لا قيمة له، انظر للتراث العربي.. تراث عظيم تركه لنا أصحاب عقول ومفكرون لم يتوافر لهم ما يتوافر لنا، ومع ذلك قدموا تراثًا خالدًا قيمًا.. فلماذا نصر على خيانة تراثنا؟
* في ظل ازدحام الساحة النقدية بالمؤلفات.. ماذا تنصح الباحث الجاد؟
ـ لا شيء يعادل أن يطور الإنسان نفسه دائما، ومن أعظم ما يفعل أن يقرأ وأن ينوّع قراءاته، فالاكتفاء بنوع واحد من الكتب يشبه إنسانًا يصر على العيش بنوع واحد من الطعام، ثم على الناقد تنمية ذائقته، فلا اشتغال بالنقد في غياب الذائقة، عندها يقدم الناقد القبح بوصفه جمالًا، وللأسف كثير من النقاد اليوم، وكثير من أصحاب الأعمدة النقدية يفتقدون ذائقة تمنحهم القدرة على استكشاف الجمال وانتقاء النصوص الأجود.
* هل أنت قلق على المشهد الثقافي في مصر؟ـ المشهد في مصر لا يختلف عن المشهد في البلدان العربية، لذا فقلقي كبير ويتزايد من سطوة السطحية في البحث العلمي أولًا، وفي النقد ثانيًا وفي الإبداع ثالثًا، مصر ولّادة كما نقول، وكل يوم يولد فيها مبدعون، ولكن النصوص الظاهرة والمتصدرة ضعيفة أكثر من قوية، وسطحية أبرز من عميقة.
* ماذا تقول عن انتشار طلب الناقد المال مقابل الكتابة عن إصدارات بعض الكتّاب الشباب؟ـ اتفقنا على أن النقد رسالة، وعلى أن الناقد ذائقة، يُضاف إلى ذلك أن الناقد قاضٍ يصدر حكمًا مؤيدًا بالأدلة، فكيف يكون حال القاضي حين يبيع أحكامه، أدرك تمامًا أن الاشتغال بالأدب والنقد لا عائد مادي له، ولكن علينا أن نبحث الأمر بعيدًا عن بيع الأحكام، فقد نتج عن ذلك بيع الأبحاث العلمية وبيع المؤلفات والقصائد وغيرها، وهو من عوامل هدم أية ثقافة مهما كانت قوتها.
* الكثير من النقاد الأكاديميين يتحدثون بلغة مرتفعة ومصطلحات بعيدة عن النص المطروح للنقاش؟ـ للأسف بعضهم لا يفرق بين أن تتحدث في ندوة يتنوع المتلقي فيها وتتفاوت مستوياته، وبين أن يكتب دراسة نقدية في مجلة محكمة أو يكتب مقالة في صحيفة، هؤلاء هم الذين أشرت لهم سابقًا بأنهم يحفظون فقط هم يشبهون النمل، الذي يحتفظ بما يجمع من غذاء محتفظ به كما هو ولا يعمل فيه عمل النحل، الذي يجمع ويحتفظ بما أبدع وليس بما جمع في صورته الأولى.
* كيف كانت تجربتك مع أدبي الحدود الشمالية في إصدار كاتبك النقدي؟ـ تجربة شديدة الأهمية تليق بإدارة نادٍ يعرف كيف تُدار أمور الثقافة والنشر، ودائمًا سر نجاح أي عمل فردي أو جماعي يكمن في كلمة واحدة: الإدارة وهو ما صدقته تجربة التعامل مع نادي الحدود الشمالية، فله كل الشكر والتقدير، فإذا كان أجمل ما تقدمه للكاتب أن تقرأ ما يُكتب فإن أعظم ما تقدمه له أن تنشر عمله وتجعله متاحًا للقراءة.