قال المحامي والمستشار القانوني محمد الجشي: إن استحداث نظام خاص بالإثبات يعتبر نقلة نوعية في مجال القضاء نظراً لأهمية الأدلة في أي نزاع قضائي، وأثره على الأحكام القضائية. مشيرا إلى أن إقرار النظام يأتي ترجمةً عملية للجهود التي يقودها ويشرف عليها سمو ولي العهد -يحفظه- بشكل شخصي في استحداث وإصلاح الأنظمة التي تحفظ الحقوق وتُرسِّخ مبادئ العدالة والشفافية وتحقّق التنمية الشاملة.
قاعدة البينة
وأضاف، إنه وفقا لمشروع نظام الإثبات فإنَّ على المدعي عبء تقديم البينة على دعواه، وإلاَّ سيكون خاسرا لدعواه، ويمكن إلزام صاحب الدعوى تعويض المدعى عليه، لأنه لم يستطعْ إثبات ما طالب به وهو عمل بقاعدة البينة على مَن ادعى، واليمين على من أنكر، مشيرا إلى أنَّ القرينة هي الافتراض الأساس الذي على صاحب الحق أن يضعه في حسبانه لدى إقامة أي اتفاقات مع الناس أو لدى رغبته بتحصيل حقه عبر القضاء، ولهذا فإنَّ الاتفاق المكتوب والواضح يكسر القرينة بسهولة، كما إنَّه من الأفضل أن يكون الاتفاق موثقاً لدى محامٍ أو موثق مرخص.
تجارب عالمية
وبين أن الحق لا يناله إلاَّ الشخص الحريص، أمَّا الإنسان المتراخِي والمتهاوِن، فإنَّ حقه قد يضيع لأنَّ القرائن القانونية تكون له بالمرصاد، لافتا إلى أن أحكام النظام استمدت من الكتاب والسنة، واعتمدت على أدلة التشريع الإسلامي المتفق عليها؛ وذلك تمشيا مع ما جاء في النظام الأساسي للحكم، كما استفادت من التجارب العالمية بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة. كما انه استوعب كافة التجارب الدولية والتغيرات الناشئة بسبب التحول الرقمي في القطاع العدلي، وانتشار الأدلة الإلكترونية.
إصلاحات عدلية
وأضاف المستشار القانوني محسن الحازمي، إن مشروع نظام الإثبات يأتي كأحد أهم أربعة مشروعات لتطوير الأنظمة التشريعية المتخصصة التي أعلن سمو ولي العهد عن استحداثها أو تطويرها في إطار موجة من الإصلاحات العدلية والقضائية، والتي من ضمنها مشروع نظام الأحوال الشخصية ومشروع نظام المعاملات المدنية ومشروع النظام الجزائي للعقوبات التعزيرية، وذلك تماشياً مع «رؤية المملكة 2030».
قاعدة نظامية
ولفت إلى أن المادة «97» من نظام المرافعات الشرعية نصت على أنه «يجب أن تكون الوقائع المراد إثباتها أثناء المرافعة متعلقة بالدعوى منتجة فيها جائزاً قبولها»، فمحل الإثبات ليس هو الحق المدعى به وليس القاعدة النظامية أو الشرعية المراد تطبيقها، وإنما هي الواقعة المنشئة للحق. كما يعتبر موضوع الإثبات من أهم وأدق المسائل التي تواجه القاضي، بحيث تؤدي وظيفة الفصل في الخصومات إلى تحقيق العدالة باعتبار قاعدة الإثبات تهدف بشكل عام إلى كشف الحقيقة التي تتجسد في مظهرها النهائي ضمن الحكم الذي يصدره القاضي في الدعوى المعروضة عليه، أو ما يعبر عنه بالحقيقة القضائية.
حماية الحق
وقال إن الحكم هو عنوان الحقيقة ومظهرها، والتي لا تأتي دائماً بما يطابق حقيقة الواقع. فقد يحصل التعارض فيما بينهما أحياناً، الأمر الذي يشكل خطراً على استقرار المعاملات، وإهدار مضامين العدالة في المجتمع. ومن هذا المنطلق نشأ الالتزام ببذل العناية في مسألة الإثبات، والذي يعتبر السبيل الوحيد لتحقيق التطابق أو التقارب فيما بين الحقيقتين الواقعية والقضائية، الأمر الذي يصب في النهاية في صالح حماية الحق ذاته من الضياع. وهذا ما سعت له حكومتنا الرشيدة في ظل القيادة الرشيدة -يحفظها الله- بما يهدف إلى تحقيق مبادئ العدالة ما بين أروقة القضاء والمجتمع على حد سواء.
الاستعانة بالخبراء
وأكد المحامي عبدالله الشريف، أن إصدار نظام مستقل للإثبات يدل رغبة الدولة في تثبيت المبتدئ القضائية على كافة الجهات سواء كانت قضائية أو لجانا أو جهات بحيث إنه ليس للجهات الاجتهاد في كيفية استنباط أدلتها وإنما تكون وفق نظام محدد لا يمكن تجاوزه أو التلاعب فيه، وأن أي شخص يقرر له الفصل في الخصومة عليه أن يسبب التسبيب الصحيح بما استند عليه من نظام الإثبات وما توصل إليه لتلك النتيجة، كما أنه فتح السبيل في التوصل إلى الإثبات والاستعانة بالقطاع الخاص كوسيلة قاطعة في حالات الإثبات الدقيقة، كالاستعانة بالمهندس والمحاسب والمحامي للفصل في مسألة معينة بموافقة طرفي الخصومة أو بتوجيه من القاضي، بحيث يصبح رأي الخبير دليل إثبات على حل النزاع القائم بين الطرفين، ولكن النظام لم يغفل جانب القرائن كوسيلة من وسائل الإثبات، وهي لا تكون بديلا عن الإثبات ولكنها قد تقطع نزاعات بين الخصوم.
تنمية شاملة
وبين المحامي والمستشار القانوني بندر العمودي، أن مشروع نظام الإثبات، يتضمن جميع الطرق القانونية الحديثة والمتطورة في الإثبات ووسائله، ما يعكس تطور البيئة التشريعية في المملكة من خلال استحداث وإصلاح الأنظمة التي تحفظ الحقوق وترسخ مبادئ العدالة والشفافية وتحقيق التنمية الشاملة. موضحا أن النظام الجديد جاء لتنظيم الإثبات في القضايا المدنية والتجارية متبنيا أحدث النظريات التشريعية، لافتا إلى القاعدة الأساسية هي: «على المدعي أن يُثبِتَ حقَّه، وللمدعى عليه نَفيُهُ»، وبالتالي، فإنَّ المدعى عليه يكتسب حقًّا بمجرد كونه مدعىً عليه، وهو حق سلبي لا يحتاج منه أي تصرف، ومشروع نظام الإثبات ينظم تفاصيل هذه الوقائع، ويحدد كيف يمكن للمحكمة أن تتصرف فيما يقدم أمامها من أدلة وإثباتات من طرفي النزاع.
حلف اليمين
وأضاف: إن «القرينة» وهي الافتراض القانوني، على نوعين: إمَّا أن تكون قابلة لإثبات العكس من المدعي، أو أن تكون غير قابلة أبداً، وفي هذه الحالة تكون المسؤولية لاصقة في الشخص. مؤكدا أن هذه القرينة تعني -وفق مشروع نظام الإثبات- أنَّ على المدعي عبء إقامة البينة، وإلاَّ يكون فاشلاً في دعواه، ويخسر الدعوى وتنصب عليه آثار دعواه السلبية وإمكانية إلزام المدعي بتعويض المدعى عليه، كل هذا ليس لأنَّ المدعي كان جانيا بالضرورة، بل لأنه لم يستطعْ إثبات عكس الواقع، هذا يعني أنَّ الواقع هو افتراض الحق في مصلحة المدعى عليه حتى يثبت العكس، وحتى بعد إثبات الحق على المدعى عليه، وكسر القرينة إن صح التعبير، فيكون للمدعى عليه حلف اليمين لإنكار الدعوى على أساس أنَّ: «البينة على مَن ادعى، واليمين على من أنكر».
استيعاب التجارب
الدولية وتغيرات التحول الرقمي