الأمر السار
«لكن هذا الأمر تغير»، كما يقول مدير المعاهد الديمقراطية الوطنية في أفريقيا، كريستوفر فومونيوه، في حوار مع «DW»، ويضيف: «الأمر السار بشأن الانقلابات اليوم هو أن الناس لم يعودوا على استعداد لقبول الانقلابيين ببساطة أو السماح لأنفسهم بأن يكونوا شركاء لهم».
في السودان على وجه الخصوص تحدى عشرات الآلاف هناك مرارا وتكرارا مدبري الانقلاب، ولم يردعهم عن ذلك حتى إطلاق النار عليهم من قبل الأمن، وفي نهاية المطاف اضطر الجيش إلى إعادة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك إلى منصبه على مضض.
كما أن المنظمات الأفريقية باتت تتعامل اليوم مع مدبري الانقلابات بشكل أقوى مما كانت عليه في السابق، وفي هذا السياق تقول يوليا غراوفوغل من معهد GIGA للدراسات الأفريقية: «لمست في ردود فعل المنظمات الإقليمية التي جاءت متسقة نسبيا، بصيص أمل، خاصة من قبل الاتحاد الأفريقي، الذي علق عضوية السودان في الاتحاد بعد الانقلاب».
لكن الاتحاد الأفريقي لم يكن دائما بهذا الوضوح في عام 2021، فعلى سبيل المثال التزم الصمت تجاه إعادة انتخاب حاكم أوغندا لولاية سادسة في يناير، ورسميا، فاز الأخير في الانتخابات بنحو 59 ٪ من الأصوات، فيما يعتبر منافسه بوبي واين في حوار مع DW، أنها «كانت أكبر عملية تزوير انتخابي في تاريخ أوغندا»، ويقول: إنه وقبل تنظيم الانتخابات وأثناءها قُبض على العديد من أنصاره أو اختفوا في ظروف غامضة. أما هو فوضع تحت الإقامة الجبرية عقب الانتخابات.
الحكام المستبدون
إلى ذلك وتحت ذريعة كورونا، تمكن الحكام المستبدون على غرار يوري موسيفيني من توسيع سلطتهم في 2021، عن ذلك يقول الخبير فومونيو: «القيود التي جاءت بها إجراءات مواجهة جائحة كورونا جعلت من الصعب على الناس التواصل فيما بينهم. وبالتالي لم يتمكن النشطاء المؤيدون للديمقراطية من التعبئة كما في الماضي أو التواصل مع البرلمانات أو الأحزاب أو المجتمع المدني»، وبات الحكام المستبدون يستخدمون هذه الإجراءات ضد المعارضين.
وبحسب ما نقلت وكالات الأنباء حينئذ كانت الشرطة الأوغندية صارمة بشكل خاص مع أنصار المعارضة، وحجتها في ذلك: عدم الالتزام بقواعد مواجهة جائحة كورونا.
فكثير من سكان دول أفريقيا يرفضون رؤساء الدول الاستبداديين، وفي هذا السياق تقول غراوفوغل من معهد GIGA: «لا تزال شعوب دول أفريقيا تفضل الديمقراطية على أي شكل آخر من أشكال الحكم، وهذا يعني أن هناك رغبة قوية جدا في الديمقراطية».
ويتضح هذا من خلال الاحتجاجات الحاشدة في العديد من دول أفريقيا، وليس في السودان وحده، ففي السنغال نزل الشباب على وجه الخصوص إلى الشوارع ضد رئيس الدولة الحاكم الاستبدادي بشكل متزايد ماكي سال، كما اندلعت مظاهرات عنيفة ضد الملك الاستبدادي مسواتي الثالث في إيسواتيني أيضا، لكن قوات الجيش والشرطة نكلت بهم وقمعت تظاهراتهم.
بدوره، يأمل المعارض الأوغندي البارز بوبي واين، وهو لا يزال في الـ39 من العمر، أن تشكل مثل هذه الأمثلة سابقة في القارة السمراء برمتها، ويقول: «في أوغندا وأجزاء كثيرة من أفريقيا لا تعمل الحكومات والحكام سوى على تمجيد الذات والإثراء بكل الطرق الممكنة، ولن يتوقف ذلك إلا إذا خرجت أجيال الشباب لمعارضة ذلك الوضع ومواجهته».
تغيير سلمي
ويواصل الكاتب دانييل بيلس تقريره، قائلا: لكن في بلدان أخرى ما زالت المؤسسات الديمقراطية تواصل عملها، ففي زامبيا مثلا قادت انتخابات أغسطس إلى تغيير سلمي للسلطة، وفي جنوب أفريقيا قضت إحدى المحاكم بسجن الرئيس السابق جاكوب زوما «79 عاما»، الذي تم إطلاق سراحه بعد ذلك بوقت قصير «لأسباب صحية».
إذن، سيأتي عام 2022 باختبارات جديدة لميل سكان دول أفريقيا إلى الديمقراطية، ففي أنغولا يطمح الرئيس جواو مانويل لوريتسو للفوز بولاية ثانية بعد أن حل محل الرئيس السابق طويل الأمد خوسيه إدواردو دوس سانتوس بعد قرابة 40 عاما من توليه سدة الحكم، وعلى غرار سلفه ينتمي لوريتسو لحزب الحركة الشعبية لتحرير أنغولا الحاكم، وقد بدأ بالقيام بخطوات إصلاحية حذرة، ويترقب الكثير من المراقبين معرفة مدى حرية هذه الانتخابات ونزاهتها، كمؤشر على مدى جدية وعوده الإصلاحية.
هناك أيضا الكثير مما يحدث في كينيا، إذ سيتنحى الرئيس أوهورو كينياتا بعد فترتين رئاسيتين، وقد طغت مزاعم واسعة النطاق بحدوث عمليات تزوير في الانتخابات الأخيرة عام 2017، وأخيرا طلبت المحكمة الدستورية إعادة الانتخابات، وفي خضم الاحتجاجات على نتيجتها قُتل ما لا يقل عن 12 شخصا وجُرح أكثر من 100 شخص.
ولكن رغم كل التحديات فإن الخبير فومونيو يبدو متفائلا، إذ يقول: «أعتقد أن الجهود المشتركة للمجتمع المدني الأفريقي النابض بالحياة، والعديد من الشباب الذين يطمحون إلى حكومات أفضل، وجهود الشركاء الغربيين، ستساعد في ترسيخ الديمقراطية في أفريقيا في عام 2022»