ولكني وجدت أن ذائقة البعض لم تعد تتركز على جودة القهوة أو الطعام المقدمة معه (شكولاتة أو كيك) بل ينصب التركيز على الموقع والديكور الداخلي والخارجي والأثاث، وكل تلك العوامل الثانوية أصبح لها دور مهم وجاذب ومقدم على الجودة. وهذا دليل واضح على أن المظاهر هي الصفة السائدة! وينطبق هذا الكلام أيضا على (وجبات الطعام السريعة) وما كان على شاكلتها، فهي متقاربة في الطعم! ولكن من ناحية الجودة الغذائية فمن المعلوم أنها ليست صحية، بل قد يكون ضررها أكبر من نفعها.
وعودا على موضوع المقاهي والقهوة والتي أصبحت لها أنواع وصنوف وأسماء غربية وخلطات عجيبة. فنحن أصلا نشرب القهوة (الكوفي كما يحب البعض أن يدلعها!) من أجل أن نتمتع بمذاقها (المُر) وليس من أجل المضافات إليها.
نعم أذواق الناس تختلف، ولكن أصبح البحث عن الغريب والعجيب والأسماء المخُتلقة أهم من أصل مذاق القهوة وطعمها. ولا تستغرب إذا جاء يوم يقدم فيه القهوة بالموز (ومن العجيب أني عندما كنت أكتب هذا المقال بحثت فوجدت أن هناك فعلا وصفة لتحضير القهوة بالموز!) فقلت بعد ذلك: لن أستغرب أبدا أن يكون هناك أيضا قهوة بالطماطم أو ربما مستقبلا قهوة بالكوارع، فكل شيء ممكن وجائز في هذا الزمان!
والجدير بالذكر أن القهوة من أكثر السلع تداولا بعد النفط. وتبلغ تجارتها بحسب موقع (businesswire) ما يقارب (100) مليار دولار سنويا، مع توقعات نمو (4 %) ما بين عامي (2021 – 2026م). وبحسب (ويكيبيديا) يُستهلك منها أكثر من (2.25) مليار فنجان يوميا حول العالم! وينتج منها سنويا (9) ملايين طن.
وقد ذكرت هذه الأرقام ليعلم القارئ حجم صناعة القهوة، وما وراءها من جني للأموال والأرباح. ولكن ما أردت أن أركز عليه بعيدا عن لغة المال والأعمال هو هل ذائقة الناس بدأت تختلف، أم هي براعة الدعاية والإعلان، أم هي صورة من صور كثرة النعم التي يحضها بها البعض! فصار يتفنن في خلط أي شيء بشيء من أجل المتعة والجديد؟!.
ونحن نرى بوضوح في أيامنا هذه أن مفهوم الاستهلاك انتشر في أرجاء العالم مع دخول الإنترنت لكل بيت وغرفة، وتسارع أكثر مع التطبيقات الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي. بالإضافة إلى تأثير العولمة، وتداخل ثقافات العالم بعضها في بعض. وقد تسيطر ثقافة الغالب على المغلوب فكرا وشكلا، ولباسا وطعاما، ففي كل زاوية هامبرغر وكوفي! ولا يشترط أن يكون مفهوم الغلبة بالقوة، بل ربما بالاقتصاد أو التقنية أو الثقافة واللغة.
ومسألة القهوة التي طرحت هنا هي مجرد مثال على أن التغيير في الثقافة المجتمعية أو حتى القيم والسلوك يأتي تدريجيا حتى يصير الجديد والغريب يتغلب على الأصل أو الهوية.
وهناك أيضا ملاحظة أخرى بين السطور، وهي أن النعم تدوم بالحمد والشكر لا بالمظاهر والبذخ!
abdullaghannam@