أول كلمة أنزلت على نبينا محمد -عليه أفضل صلاة وأتم تسليم- كانت (اقرأ) عن طريق الوحي جبريل -عليه السلام- في غار حراء، وكان نبينا أميّا لا يعرف قراءة ولا كتابة، فأجابه بعدم علمه ومعرفته بقوله ما أنا بقارئ ،وعندما نتمعن في هذه الكلمة ذات المعنى الواسع وهذا الحوار القصير بين النبي وجبريل، فإنها دعوة إلهية للتعلم والتفقه والتأمل والتفكر. وقد كانت هذه الكلمة أول ملمح راسخ لرسم ملامح خريطة الإسلام وأمته بين الأمم، فالمعرفة الحقة تبدأ بالتعلم والاطلاع، ومعرفة ما توصل له الآخرون للسير في خطاه وتطويره. فالعلوم جميعها تراكمية والقراءة أساس المعرفة والتعلم الذاتي إذا كانت في أصولها وفق القراءة الصحيحة، التي تجعل الإنسان كمية مأهولة من المعرفة والثقافة والعلم، وهناك نوعان من القراء أحدهما العقلية الخفيفة والمأساوية، التي تقرأ بالطريقة الخاطئة وتتشبع بما تقرأه سواء خاطئا أو صائباً وتجعله نصب عينيها بالأفعال والأفكار، فيكون صاحبها حبيسا لأفكار غيره وآلة تعمل بعقل شخص آخر دون أن يكون لها رأي أو تفنيد لما يتلقاه من معارف قرأها من أفكار غيره، فتجده في أزمان متفاوتة يلبس زيا من الأفكار ليست له ولا لملته، التي يتبعها متلونٌ بين حين وحين وهذا القارئ سيكون أكثر عرضة للإحباط والاكتئاب لما سيجده من تناقض واختلافات بين ما يقرأه، وهذا النمط من القراء سريع الاندثار والانطفاء، فصراع عقول الآخرين داخل عقله سيصيبه بشيء من الجنون لن يشفى منه زمناً طويلاً. أما النوع الآخر، فهو القارئ الثقيل، الذي يتمحص كل معنى ويتتبع أثره من أفكار غيره، ويعرف مدى صحتها ويفندها من كل جانب، ويأخذ ويترك حتى تتضح الصورة أمام عقله، ويكون له رأي ومعرفة خاصة به وفق المسار الصحيح والصحي بعيداً عن الاعتلالات المعرفية، التي أصابت البعض وجعلته يهرف بما لا يعرف أن المنطقية والموضوعية في القراءة هي التي يجب أن تكون شعارا للقارئ وديدنه، الذي يمشي عليه كي لا يتيه في عقول الآخرين، وينهج نفس مناهجهم، التي قد يخالف بعضها الدين والفكر القويم والمعرفة السليمة، فتكون منهجاً له وتجعله عبداً لأهواء غيره، ومسيراً لأفكار الآخرين ما أجمل أن يضع الإنسان له بصمة في هذه الحياة وفق معتقداته السليمة ومسلماته الثابتة لتكون له تاريخا مستمرا لا ينقطع بعد وفاته.
(@1_saad)