عشت في العاصمة الليبية طرابلس عامين كاملين تقريبا من يونيو 2012م إلى أبريل 2014م وقضيت جل تلك الفترة بالإضافة إلى القيام بواجبات عملي، في القراءة، والتعرف على الإنسان، والمجتمع، والشخصية الليبية عن قرب، وأقول عن قرب لأنني تعرفت على كثير من الليبيين أثناء فترة عملي في جنيف السويسرية حيث يقيم ويعمل عشرات الليبيين غالبيتهم كانوا معارضين لنظام معمر القذافي، كما أتاحت لي الظروف التعرف على طبقة أخرى من المجتمع الليبي في فترة عملي بالجمهورية التونسية حيث كان الأشقاء في ليبيا يعتبرون تونس، والحياة فيها، واستخدام مرافقها التعليمية، والطبية أمرا ضروريا لحياتهم. اليوم وبعد كل هذه السنوات ما زلت أتلقى بعض أسئلة من الأصدقاء، والمعارف، والمهتمين بالشأن الليبي حول طبيعة الذي يحدث في تلك البلاد، وكان أبرز سؤال في هذا الشأن من أحد المتابعين للتطورات السياسية، والأمنية هناك تمحور حول «ماذا يريد المواطن الليبي»؟ ابتداء يجب التفصيل أن البلاد الليبية تتنازعها اليوم أكثر من إرادة، لعل أبرز الإرادات في هذا السياق الإرادة الدولية، حيث إن ما يطفو على السطح أمامنا كمراقبين هو الخيار الدولي، وملخصه بناء نظام ديمقراطي، يأمل منه أن ينتج الدولة القادمة في ليبيا القائمة على التعددية السياسية، والحزبية، ومن أجل كل ذلك نجد الدعم الدولي وربما الإصرار على إقامة انتخابات برلمانية، ورئاسية، في ليبيا لتغيير الوضع الذي تعيشه البلاد، والعباد منذ ما يقرب من عقد من الزمن. الخطورة، وربما الصعوبة في هذا التصور والإرادة المفروضة إلى حد كبير على الليبيين، تصطدم بحقائق الواقع، وطبيعة تكوين المجتمع السياسي، والمدني، الأهلي في ليبيا، حيث إن أبسط الشروط لإقامة نظام ديمقراطي في أي مكان في العالم، يتطلب أن تكون هناك بيئة ديمقراطية بمعنى أن تكون مفاهيم العمل، والتجربة الديمقراطية، موجودة، ومعاشة في سلوك، وفكر الناس، وتنتشر بطبيعية في ثنايا المجتمع، وكل تفاصيله، وهذه الشروط، أو المسوغات غير موجودة في ليبيا اليوم، وبكل أسف الموجود كما يظهر لنا كمراقبين المناكفة السياسية، والمناطقية، والقبلية، والشخصية في بعض الأحيان. ولعل أولى حلقات الفشل في تغيير المجتمع الليبي من نظام أحادي، تغيب أي ممارسة سياسية للناس، إلى نظام تشاركي تعددي غياب ما يمكن أن يسمى بالعدالة الانتقالية بين مرحلتين سياسيتين. يضاف إلى هذه الإشكالية اللصيقة بطبيعة، وثقافة المجتمع السياسية، البعد الإقليمي حيث إن دول الإقليم تلعب أدوارا مهمة فيما يحدث اليوم في ليبيا الجديدة، وكل طرف يدعم حليفه الداخلي مما يؤكد وجود حالة انشقاق خطيرة قد تفوت على أهل ليبيا فرصة الخروج من دائرة الأزمة التي لا يعرفون كيف يتعاطون معها. هذه المقدمة في رأيي مهمة لنقترب نوعا ما من إجابة السؤال الذي يتجه للإنسان الليبي بشكل مباشر ولصيق. ماذا يريد هذا المخلوق الذي وجد رزقه، ومستقبل أطفاله، وأمنه واستقراره، واستمتاعه بالحياة يتقاطع مع كل تلك العوامل الداخلية والإقليمية، والدولية. الإنسان الليبي وكما عرفته انطلاقا من معايشة لصيقة وعلى حد سواء الذكور، والإناث، لا يحفلون كثيرا بمن يأتي إلى السلطة سواء كرئيس للبلاد، أو ممثل للناس في البرلمان، أو المجلس النيابي، الشيء الأخطر من ذلك هناك حالة من الإحباط لدى الناس في ليبيا، لدى رجل الشارع العادي، الذي يقضي جل نهاره على المقاهي يحتسي فيها القهوة الممزوجة بالحليب، أو يرتشف أقداح الشاي المترعة بالسكر، لأن ليس لديه عمل، ولأنه يتحدث طوال اليوم وبشكل علني عن سرقة أموال النفط، بين المتنافسين على السلطة. هذا المخلوق يريد كهرباء لا تنقطع بما يتجاوز أحيانا ثماني ساعات في اليوم، يريد مخبزا لا يقفل أبوابه في وجه الزبائن بحجة نقص إمدادات الدقيق. يريد محطة بنزين تعمل بدون انقطاع، وبدون طوابير تمتد لعشرات الكيلو مترات أملا في الحصول على حصة مقننة من البنزين.
@salemalyami