مع بدء العام الجديد يتبادل الناس الأمنيات والبطاقات بالسعادة وصفاء البال، رغم استهزاء البعض الآخر من سذاجة تلك الأمنيات، لعدم اقتناعهم بتاتا بوجود السعادة، ورغم أننا جميعا نعتقد بوجود الكهرباء لأن مخترعين اكتشفوها، ومهندسين رتبوا مساراتها، وكهربائيين وضعوا الأسلاك وركبوا الدوائر الكهربائية، وما علينا سوى أن نضغط على زر صغير ليتألق النور. ولكن الأمر مختلف تماما إذا حاول طفل صغير أن يلهو بتمديدات كهربائية، ففي أقل تقدير سيخرب تركيبها وقد يلسع يده، أو تصعقه الكهرباء، ولن يتوصل للنور بتاتا، فهل يعني هذا أن الكهرباء لا وجود لها؟، ولهذا فإن مفهوم السعادة كالقوة الكهربائية، أو الصوت، أو الوزن، موجودة بقوانينها الدقيقة الخاصة بها، ومن ينقض هذه القوانين فسيقضي حياته بعيدا عن أحوال السعداء، ويتأسس فهم قانون السعادة على قوتين أساسيتين هما، قوة الفكرة وقوة الكلمة، فالتفكير والكلام والصوت تشكل اهتزازات قوية جدا حولها، وتفكيرنا بالسرور والحب والصحة والغنى والسلام لا يولد فينا موجات واهتزازات حسنة فقط، بل يجذب إلينا كل الظروف المتوافقة مع ذلك، فإذا سيطرت علينا أفكار المرض وخمود الهمة فسنبني جدارا عازلا بيننا وبين السعادة، وسنسهم في جذب المزيد من الصعاب كما يجذب عمود الصاعقة ما حوله من الصواعق، فدماغنا شبيه بجهاز الساتلايت، لكنه أكثر إتقانا وقوة وحساسية، وحين تود الاستمتاع بمشاهدة فيلم كوميدي فلن تفتح الجهاز على قناة إخبارية، لكن الغرابة أن معظمنا يفعل ذلك حين يربطون تفكيره بموجات سلبية من البؤس والشكوى والتوقعات المزعجة، ثم تتولاه الدهشة إذا لم يتلق بثا إيجابيا سارا، والتعرض للتحديات والصعوبات أشبه بوضعية السابح الذي يلمس أعماق البحر ثم يحرك رجليه بقوة ليصعد لوجه الماء، وكأنه من الطبيعي أن نبلغ أعماق الضيق لنركز إرادتنا على الخروج منه، والبداية دوما تنطلق من قوة التفكير الداخلي وقوة الكلام المنطوق، وبهذا الثمن نحصل على السلام الداخلي، وعلى كل ما من شأنه أن يجلب السعادة، ومن المؤكد أن ذلك لا يتم بأيام قصيرة، ولكنك حين تطلق نواياك لإحداث هذا التغيير فسوف تستطيع في وقت قصير أن تتعرف على الكثير من المسرات الجديدة في حياتك التي لم يكن لديك عنها أدنى فكرة، فحين ترى نفسك تواقا لمشاعر من البهجة والحبور فما عليك إلا أن تفكر بالحركة التي ستدير بها جهازك لتحصل على اهتزازات سعيدة، وتذكر دوما بأنه ما من شيء حولك إلا وكان في الأصل فكرة، وأي حركة تصدر عنك تولد من فكرة، وكل حادث في حياتك مصدره فكرة، لكن معظم الناس يتصرف كالمزارع المجنون الذي يبذر أعشابا ضارة ثم يصاب بالقنوط لأنه لم يحصد قمحا، فهم يبذرون أفكار الفقر والخوف والمرض، ثم يندهشون لابتعاد السعادة عن أجوائهم، فأفكارنا هي التي تلد كل شيء، وليس للحوادث من أهمية إلا في الحدود التي نسمح لها أن تغرس فينا أفكارا سلبية معيقة، وما عليك سوى أن تتصور عالمك الداخلي كحقل تنبت فيه كل فكرة من أفكارك مهما كانت، وتساءل بعدها، «ما نوع الثمرة التي تمنحها هذه الفكرة»، فإذا كانت من النوع الذي لا تريد حصاده فانزع البذرة فورا دون خوف، وإن إصرارا لطيفا منك سيحول أرضك لبستان بهيج يسر الناظرين، فابدأ العام الجديد بنوايا تليق بجمال روحك.
@LamaAlghalayini