كانت الاتصالات آنذاك ضعيفة، وسائقو الشاحنات مصدر موثوق ومعتمد، فمعاناتهم مع السير عبر جزيرة العرب جعلتهم يعرفون أخبار الأمطار، وأين كانت جزالتها، وما مرت به من وديان وهضاب ومكامن.
الملاحظ أن عددا كبيرا من سائقي الشاحنات هم في ذلك الزمن من أهالي مكة أو جدة؛ لأنهم عاشوا النقل البري واحتراف قيادة الشاحنات قبل غيرهم من مواطني المملكة، حتى ميكنة السيارة وفرضيات تعطلها وإصلاحها كانوا يعرفون عنها أكثر من قاطني المناطق الأخرى.
وفي يوم ممطر وتراكمت فيه الغيوم، قدمت سيارة شحن من مكة أو جدة باتجاه نجد، وعرض على السائق القهوة والراحة قليلا، ولما جلس قرب الملك سأله المؤسس عن الرحلة ومواقع السيل، فامتدح السائق جودة المطر في كل مكان، وكل ما سأله الملك عن واد أو شعيب أو مكمن كان السائق يرد: اسكت يا شيخ، والجملة في لهجة أهل مكة تعني المبالغة في كثرة أو جزالة الشيء.
أحد الجلوس أراد إرشاد السائق ليغير كلمة «اسكت» لكن المرحوم الملك أشار بيده إلى أن «علومه» مبشرة، وهذه طريقته في عرضها للسامعين.
ومجالس أهالي شبه جزيرة العرب لا تخلو من الحديث عن المطر، وكذا أدبياتهم وشعرهم الغنائي، وقلما تجد شاعرا لا يناجي واديا أو رافدا، لكن وادي الرمة له نصيب أوفر. ويعد وادي الرمة الأطول عمرا ومسافة على مستوى العالم، وأغرب واد، لأنه يقطع صحراء جافة دون تغذية دائمة، لأن تغذيته الوحيدة تأتي عبر الأمطار الشحيحة والنادرة. وهناك أربعة روافد رئيسية للجريان لوادي الرمة، وهي وادي النساء، ووادي الجرير، ووادي المحلاني، ووادي الداث، في حين يقوم بتصريف سيول هضبة نجد الواقعة فوق الدرع العربي عبر شبكة كثيفة ومعقدة من الروافد والشعاب.
@A_Althukair