لم يكن في خلدي أنني سأزور كوسوفا، فهذا الجزء من العالم حديث عهد وعمره لم يتجاوز العشرين عاما تقريبا، وهي دولة حبيسة يضاف إلى ذلك ما شهده شعبها المسلم وشهدته أراضيها من جرائم حرب مأساوية وحوادث كارثية أمام السيطرة الصربية وهو ما يجعلنا نتذكر الشعب الكوسوفي مع شقيقاته، اللاتي انفصلن عن جمهوريات يوغسلافيا الاتحادية الاشتراكية حينذاك نتيجة خلافات عرقية أكثر مما هي دينية في أول الأمر ولم تهدأ أراضيها من قتل وتدمير واغتصاب وتعذيب من صربيا، التي كانت تعتبرها جزءا من أراضيها إلا بعد أن شن عليهم حلف شمال الأطلسي (الناتو) غارات جوية بقيادة الولايات المتحدة، التي سخرها الله لهم ربما بسبب الخلاف مع الروس ووضع قدم لها في المنطقة وقد زاد من تفاقم مشكلة الكوسوفيين ضعف صلة العالم الإسلامي بهم، علما بأن الإسلام وصلهم عن طريق الخلافة العثمانية قبل أكثر من 600 سنة.
ورحلتنا إليها أنا والابن أيمن، الذي اختير كأحد المحكمين لمعرض كوسوفا الدولي الرابع عبر تيرانا عاصمة ألبانيا إذ كان في انتظارنا (أقيم كراسينق) رئيس جمعية الكاريكتير بجمهورية كوسوفا بسيارته، التي أقلتنا شمالا باتجاه بريشتينا عاصمة كوسوفا كما يحلو لهم تسميتها عبر طريق جميل تكسو أطرافه الخضرة والمياه ويزيد من جماله انتشار أشجار الحمضيات الجذابة باتجاه تصاعدي عبر جبال البلقان المكسوة بالثلوج إلى أن وصلنا الفندق لأخذ الراحة ثم جاءتنا سيارة الوفود إلى دار الأستاذ/ أقيم، الذي أكرمنا مع عائلته الجميلة بوجبة عشاء كوسوفية.
وفي اليوم التالي، كان الحفل المعد لتتويج الفائزين بالمسابقة بحضور سفير الولايات المتحدة إذ حصل الرسام البلغاري [valentin] على المركز الأول واتجه الجميع بعدها لقص شريط المسابقة والدخول لمشاهدة الأعمال الكاريكاتيرية بالمعرض، الذي كان عنوانه (تحت مظلة المحافظة على البيئة).
والحقيقة فمن خلال مشاهداتي لمآذن شيدت من قرون وتماثيل نصبت من قريب مع بعض أعضاء الوفود، حيث زرنا بعض الآثار والمناطق فقد شدنا تمثال (آدم يشاري)، الذي يعد بطلا قوميا أمام داره، التي حاصرته وعائلته المسلمة القوات الصربية النصرانية فقتل مع 54 من عائلته بين صغير وكبير.
وفي اليوم التالي، تنقلنا فيما بين الشمال على حدودها مع صربيا، التي لا تفصلها عن كوسوفا سوى صبات خراسانية، وبين الجنوب بمدينة بريزرن على حدودها مع ألبانيا، التي تحتوي على الكثير من الآثار كمسجد سنان باشا القريب من ينابيع المياه والجسور التاريخية فوق مياهها الجارية، وبين أشجار الخضرة وتحت ذرات الثلوج وكالعادة نختم رحلتنا بالعودة مساء إلى ساحات بريشتينا القديمة، التي تتزين لمرتاديها بالمقاهي والمطاعم والألعاب، كما تتزين بالتماثيل لزعمائها الأوائل ومما يلفت النظر تمثال كبير للرئيس بيل كلينتون، الذي يرون أن له دورا كبيرا في استقلال بلادهم.
هذه هي كوسوفا، التي تعادل مساحتها مساحة لبنان وسكانها لا يتجاوزون المليونين إلا أن لديهم نشوة القدرة على التكيف مع كل ظروفهم رغبة في رسم ملامح كوسوفا الجديدة.
@yan1433