أكد عدد من النقاد أن حركة النقد مرتبطة بمستوى المنتج الإبداعي، فإذا ارتقى الأدب ارتقى النقد، لأنه يجد ما يحفل به وينظر له من قيم فنية وجمالية ذات صور متميزة، واختلفوا حول تأثير غياب الصحف والمجلات الأدبية المتخصصة وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي على طرفي المعادلة، فبينما اتفقوا على أن التناول النقدي في الإصدارات المطبوعة أصبح شحيحا، فقد قال بعضهم إن وسائل التواصل وفرت منبرا نقديا مباشرا بين المبدع والناقد، قال البعض الآخر إن تلك الوسائل أفقدت النقد والإبداع قيمتهما لاعتمادها على المجاملات ودخول من لا يمتلكون العلم ولا الموهبة للمجالين معا.
فائض نقدي
يقول الناقد د. عبدالعزيز الطلحي: في الأغلب يقرن دارسو الأدب بين الإبداع والنقد، إذا ارتقى الأدب ارتقى معه النقد، لأن النقد يجد ما يحفل به وينظر له، أو يجد في الإبداع ما يغير نظريته النقدية لأجله من قيم فنية وجمالية ذات صور مختلفة عما اجترحته النظرية النقدية بأناملها، وتركت أثرا في النص الإبداعي تقديما وتقويما وإشادة، ولا يعني هذا أن وهنًا ما أصاب النقد أو الإبداع، لكن بيئة النقد تغيرت ومنابره التقليدية احتجبت، والمتابعات النقدية في الصحف للأعمال الأدبية أصبحت شحيحة وأقل بكثير من تدفق الأعمال الإبداعية بشتى صورها ومستوياتها ضعفا وقوة، والدراسات الأكاديمية جوبهت برفض وممانعة من المبدع، فاقتصرت على عدد محدود من الأعمال الإبداعية لإنجاز رسالة أو بحث، لا يتلقاها المبدع والمتلقي العادي بيسر لموضوعيتها وانضباطها العلمي.
وأضاف: منذ بداية القرن الحالي هناك إبداع ونقد وافران في منابر نقدية مباشرة في وسائل التواصل، أكثرها مجامل أو غير مسبب وخاضع لمصطلح نقدي مدرسي أو إجرائي، كما أنه ليس مكتوبا أو موثقا.
مشروع منظم
أما الناقد د. مصطفى الضبع فقال: في معادلة الإبداع والنقد يكون من الأهمية بمكان وجود الطرف الأول «الإبداع» ليتحقق الطرف الثاني «النقد»، ومساحة الإبداع التي تتزايد نامية باستمرار تمثل الضامن الأول لدفع الحركة، والساحة النقدية السعودية تمتلك ما يمكنها أن تحقق منجزا نقديا يليق بحجم الإبداع، فهناك تفاصيل ليس مطلوبا سوى الاشتغال عليها لتكتمل الصورة، وهو ما يتحقق باستثمار عدد من الممكنات التي تتمثل في: انفتاح الجامعات «الأقسام الأدبية خاصة» على الساحة الأدبية، وتوجيه الباحثين الشباب للاشتباك مع المنتج الإبداعي الثري، ووضع قواعد بيانات للمنتج في شتاته «الإبداعي خاصة» والتوسع في نشره بين الباحثين، والتوسع في نشر المشروع الببليوجرافي للأديب خالد اليوسف، فهو يمثل أساسا لقيام حركة نقدية على أسس سليمة، واستثمار تدريس بعض الأقسام لمقررات دراسية داعمة للحركة «مقررات: مناهج تحليل النص السردي - مناهج تحليل النص الشعري» واستثمارهما في صناعة قاعدة عريضة من الدارسين يمكنها ضخ دماء جديدة للساحة النقدية، كذلك استثمار الدوريات في تقديم مشروع نقدي منظم، فالمقالات المتناثرة لا تكشف المضمون الحقيقي.
حكم متسرع
ويقول الناقد يونس حبيب: إذا نظرنا إلى الحركة النقدية في مجال الأدب «شعرا ورواية» من حيث الكم، فإن الحكم عليها بالضعف حكم متسرع، فلا يمكن أن نتجاهل الأسماء اللامعة في هذا الميدان منذ محمد حسن عواد في جيل الرواد وصولا إلى عبدالله الغذامي وسعد البازعي وغيرهما من الأسماء، فالحراك النقدي حاضر في الصحف والملاحق الثقافية وفي المجلات المحكمة بالإضافة إلى العديد من الملتقيات، التي تقام في الجامعات والأندية الأدبية بجهود جبارة، كما نجد على سبيل المثال لا الحصر في «ملتقى النقد الأدبي في المملكة» الذي يقام كل سنتين في نادي الرياض الأدبي، وبعضها نجده على شكل مؤتمر سنوي كما هو الحال في ملتقى النص بنادي جدة الأدبي، الذي وصل الآن إلى دورته الثامنة عشرة، ولكن الإشكال في نظري يعود إلى أن هذه الملتقيات متخصصة وعادة يكون الحضور فيها لنخبة الأكاديميين والمتخصصين، ينضاف إلى ذلك تركيز النقاد على تمثل آخر الاتجاهات النقدية في الغرب واجتلاب أحدث المصطلحات وإعطائها سلطة توجيهية على النصوص.
أما من حيث الكيف والتنوع فأرى أن النقد ضعيف فيما يتصل بالجماليات عامة، فمن النادر أن تجد ناقدا يهتم بالفن التشكيلي مثلا فيقوم باستجلاء اللوحات الفنية وتفسير مكوناتها، رغم إقامة العديد من المعارض الفنية في الساحة، ناهيك عن مجال المسرح والسينما الذي بدأ ينمو بوتيرة متسارعة جدا بعد تأسيس هيئة الأفلام وهيئة الفنون الأدائية التي نعول عليهما كثيرا لتأسيس ملتقيات ومؤتمرات نقدية ودورات في النقد الفني الجمالي إلى جانب المهرجانات، وبما أن الاهتمامات النقدية تختلف باختلاف الأجيال والأزمنة، فيجب أن يواكب النقد حركة الإبداع بمجملها فينفتح على مجالات أكثر اتساعا نحن بحاجة ماسة إليها في العصر الحالي.
مقولة خاطئة
ويقول الناقد د. سامي الجمعان: سمعت مقولة «ضعف النقد» كثيرا، لكنها وبحكم تخصصي ليست دقيقة على النحو الذي يمكننا من تعميمها، عطفا على الحراك النقدي المشهود له في المملكة، الذي أضاف للساحة الفكرية بمنجزات د. عبدالله الغذامي في النقد الثقافي خاصة، ثم بجهود نقاد آخرين لا يتسع المجال لتعدادهم إلا أن منجزهم حاضر، وأعتقد أن سبب إطلاق هذه المقولة هو ضعف الحركة النقدية في مجالات معينة كالمجال المسرحي الذي لم يشهد سوى شذرات هنا وهناك من الحراك النقدي وباجتهادات شخصية، وحينما نقول حراكا نقديا فبالتأكيد لا نعني تلك المؤلفات المنجزة حول المسرح، وليس لها علاقة بالنقد لا من قريب ولا من بعيد مع توهم أصحابها أنها كتب في نقد المنتج المسرحي.
غياب المعطيات
أما الروائي أحمد الدويحي فيتحدث قائلا: النقد ضعيف طبعا، أين هو النقد والحراك النقدي لكل الأجناس الأدبية؟، صاحبت الطفرة الشعرية الحداثية طفرة نقدية موازية في العقود الماضية، اقتصرت على جيل معين بذاته، ولم يكن شيئا سيئا على كل حال، وكذلك صاحبت مرحلة سطوع القصة القصيرة، متابعات نقدية مهمة ومبهجة، كل ذلك كان يحدث لما كانت الصفحات الثقافية مقروءة وفاعلة، وتشجع على تلقي القراءات النقدية لما ينشر على صفحاتهم، ولما ضعف توزيع الصحف ولم تعد مقروءة، غابت القراءات النقدية ولم يعد أحد يهتم بالإبداع والنقد، والآن، ظهرت التقنية الحديثة وحلت مكان الصفحات الأدبية، والنشر صار بلا رقيب ولا حسيب ولا نقد، وصارت التقييمات تأتي من متلق مجهول، وغالبا ينطوي على مجاملات، وكلام بعيد جدا عن الواقعية والقراءة النقدية العميقة، والحقيقة أننا لم نعدم النقاد ولكننا، نجهل وسيلة الوصول إليه مع سوء التوزيع، وأنا لست مع تحول المبدع إلى مسوق لنتاجه.
قراءات انطباعية
فيما يقول الروائي عبدالعزيز الجاسم: من خلال اطلاعي على كثير من القراءات، أجد أن الحركة النقدية في المملكة تغط في سبات عميق، وأن ما ينتشر هنا وهناك من القراءات، والتي يختبئ بعضها بين أعمدة الصحف أو المدونات الشخصية ليست سوى قراءات انطباعية لا تربطها والنقد صلة إلا العنوان العريض لمفهوم النقد، قلما نجد دراسات نقدية مستفيضة تحلل الأعمال الأدبية وتشير إلى جوانب الجمال والخلل فيها، بل نادرا ما نجد ناقدا يتحدث بإسهاب عن تفاصيل الأعمال الأدبية بحيادية خالية من المجاملة التي يتقبلها الكاتب غالبا ويرفض ما عداها ولو كان منطقيا، نتوق لقراءة دراسات نقدية تضيف إلى المشهد الفكري، وتحفز قدرات الكتاب على التطور والعطاء المستمر، وتوجه دفة النقد لإبراز نتاج المبدعين وصقل أقلامهم.