ومع ذلك.. فقد تمر بالمؤمن لحظات من الضيق والهَمّ تشغل قلبه، وتسيطر على فكره وعقله، وتمسك بزمام نفسه، فتقعده كالأسير يجلس تحت جدار يريد أن ينقض.. ثم تتنفس رحمة الله في ظلمات هذه الهموم.. فيسترد عقله وفكره ويحضر قلبه... فيبدأ في التأمل والتدبر.. وتشرق نفسه، فيرى أن هناك كثيرا من نِعَم الله قد أحاطت بهذا الهَمّ أو ذاك البلاء- فضلًا عن نِعَم الله الأخرى التي لا تُحصى عددًا- يرى أن نعمة واحدة من النِّعَم التي صاحبت المكروه جديرة بأن تهوّن أمره وتُحقر من شأنه، فكيف ببقيتها...؟!
ثم يذكر أن هذا البلاء سرعان ما سينكشف عن فرج قريب وفضل عميم، ولو لم يقل رب العزة سبحانه: ﴿وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم﴾ [البقرة:216]. لأثبتت الأيام والتجارب صدق هذا المعنى..
عندئذ تشرق شمس الروح، وتصفو للمؤمن نفسه وقد غدت كالسماء الصافية التي غسلتها الملائكة ليلا بماء المطر.. ﴿الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ [الرعد:28]، بلى وربي.. تطمئن.
قد مررت بمثل هذا، وبعد نظر وتأمل وجدت لساني يردد عند ذلك... ﴿لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾ [الأنبياء:87].. فوقع في نفسي شيء من معاني الظلم في الآية الكريمة..
نعم، قد تمر على العبد لحظات من الظلم عندما ينحصر فكره، ويضيق قلبه، فلا يتذكر إلا بلية صغيرة بين نِعَم كثيرة صاحبتها في نفس الوقت.. نعم لقد ظلم نفسه عندما نسي - ولو للحظات – فيضًا من النِّعَم، ورأى بجوارها غيضًا من البلاء.
ومن رحمة الله سبحانه بعبده أنه يلهم عبده - بداية – رؤية هذه النِّعَم بعد أن كانت محجوبة عنه بسحائب الهَمّ والبلاء، ثم يلهمه الاعتراف بالظلم لنفسه وقتها، ثم يقبل عنه هذا كله وينجّيه من الغَم، بل ينكشف له الغَم والهَمّ عن فضل وتكريم، ما كان يحتاج إلا تأملا وتدبرا، لمعرفة وزن البلاء الحقيقي بجوار ما صاحبه من نِعَم، وقليلا من الصبر وانتظار الفرج.. وكل موعد في الدنيا قريب..
@i_rakan010