ما زلت مثل الكثير من الناس لا يعجبني التنظير، خصوصا عندما تكون النظرية تعارض في نظري أمرا قد خضته بشكل واقعي ولم توافق تلك النظريات تجربتي، هذا الأمر يشعرني أن التجربة مثل ما يقولون خير برهان وأكثر منطقية من النظرية، ولكن كثرة التفكير في هذه التجارب تجعلني أيضا صاحب نظرية، وهذا ما يحدث مع المنظرين.
لا يمكن لأي إنسان أن يضع تجربته ورأيه في إطار الصواب والواقع المسلم حينما يقارنها بفكرة أو رأي شخص آخر، حتى وإن كان ذلك الشخص لم يمر بنفس التجربة واقعيا.
لقد اقتنعت مبكرا أن تجاربنا ما هي إلا نظريات، لأنها تخضع لتصوراتنا وانطباعاتنا من واقع تجربة محددة في سياق وزمان محدد وظروف مختلفة، وهذا ما يشكل جزءا من الواقع فقط، مما يجعل تجربتنا قابلة للتطور والرفض والقبول كما هي النظرية.
لقد كان للفيلسوف الألماني شوبنهاور انطباع تشاؤمي في بعض كتاباته، إلا أنه ذكر ذات مرة فكرة مشابهة لما نكتب عنه هنا في سياق المقارنة بين التجربة والنظرية، وقد ذكر الكبرياء الفطرية حينما يكون هناك حديث أو نقاش بين أفراد تكون دوافع البشر وغرائزهم الأساسية هي إقصاء الآخر، وهذا ليس مطلقا في جميع النقاشات، إلا أن الغريزة موجودة حتى لدى أولئك الذين يتحلون بالحكمة.
إن محاولة إقصاء الآخرين في النقاشات والجدالات أصبحت أمرا ظاهرا هذه الأيام، أتمنى لو أستطيع تقديم نصيحة حول كيفية تقبل الأشخاص المختلفين عنا بالرأي، إلا أن الأمر أكثر تعقيدا، كل ما يمكن فعله في نظري هو محاولة العودة دائما للمعنى الحقيقي للحوار.
إن التغيرات التي نعيشها في وقتنا الحالي متسارعة، وهذا الأمر قد يجعل التقبل أمرا مجهدا، إلا أننا قد نتقبل الاختلاف بمجرد أن نقوم بإعادة النظر بشكل مستمر في أفكارنا وآرائنا، وحينما نؤمن بها فعلا يجب أن نتوقف عن محاولة إجبار الآخرين على قبول آرائنا عن طريق خوض حديث وجدال شديد وحاد قد يتحول إلى محاولة لإقصاء الآخر، هذا ما سيجعلنا سعداء، لن يكون من واجبنا أن يؤمن الآخرون بما نفكر به، كما أننا سوف نذهب إلى الفراش كل يوم بنفس هادئة.
Twitter: @Rakanalazeb