وإذا كانت المجتمعات قديما تتمحور حول الزراعة والحصاد، فإن الحياة المعاصرة تتمحور حول التعليم. حول بداية العام الدراسي ونهايته، والإجازات الدراسية تتمحور حياة الأسرة السعودية. حولها تخطط الأسر لمعاشها وحلها وترحالها. لقد أصبح ذلك ركيزة أساسية في إيقاع الحياة الاجتماعية والوظيفية والاقتصادية للمجتمع السعودي منذ أن عرف. لقد أصبح التعليم تقويما سنويا لإيقاع الحياة الاجتماعية. هكذا سارت الأمور بسلاسة لعقود. لقد أثبت نظام الفصلين نجاحه، ولكل مؤسسة تعليمية لدينا في طول البلاد وعرضها، من جامعات وكليات، ومؤسسات تدريب وتعليم مهني، ومدارس باختلاف مراحلها، تاريخ مشرف في هذا المجال. لقد راكمت مؤسساتنا التعليمية خبرات جمة في مجال التعليم، وكل منسوبيه يفخرون بانتمائهم لهذا القطاع الحيوي الذي قاد عملية التنمية في المملكة، والخوف أن يذهب ذلك هباء في ضوء الروزنامة الجديدة.
إن التحول من نظام مزدوج من فصلين دراسيين إلى نظام مفرد من ثلاثة فصول سينتج عنه حتما إخلال بمحتوى العلم بشقيه النظري والعملي وبآليات تنفيذهما. إن مجرد إلقاء نظرة عن بعد إلى حال الأكاديميين في الجامعات اليوم، على مختلف الأصعدة، كفيل بجلاء الصورة كاملة. فبدلا من أن ينصرف الجهاز الأكاديمي إلى غاياته في أداء مهامه من تنشئة الناشئة، وغرس بذور المعرفة لدى الطلاب، أصبح شغله الشاغل هو إعادة هيكلة المادة التعليمية للقسمة على ثلاثة في اجتماعات، ما أن تنتهي، إلا لتبدأ من جديد. تلك مهمة تبدو متعذرة. فالعدد الزوجي لا يقبل القسمة على العدد الفردي. هذا التحول يعني إعادة هيكلة مناهج استمرت لعقود، نال الكثير منها بجهد القائمين عليها اعتمادات مهنية وأكاديمية دولية. كل ذلك سيذهب أدراج الرياح. في التفاصيل ليس المرء بحاجة إلى التذكير بأن الإسراع في توصيل المادة العلمية واختزالها، وتقطيع أوصالها، إربا إربا، كما، وزمنا يقلص من محتواها، ويفقدها ترابطها العلمي الذي بنيت عليه، ناهيك عن إمكانية استيعابها في فترات زمنية وجيزة.
لا أحد ينكر وجود الحاجة لتطوير بعض أوجه التعليم لدينا، ولا أحد يتوق للتطوير الأكاديمي أكثر من الأكاديميين أنفسهم. مشكلة التعليم لدينا لا تكمن في روزنامته (تقويمه الدراسي) ولكن في محتواه، وفي الفلسفة العامة من ورائه، وما هو منتظر من خريجي المدارس والجامعات، ودور المؤسسة، والأسرة، والفرد في أداء رسالته التعليمية.
إن تقويم التعليم لا يتم بتغيير موعده الزمني وروزنامته، بل بتسوية الصفوف وإقامتها كالبنيان المرصوص، لأداء هذه المهمة الجليلة، تماما كرص الصفوف في محاريب العلم.
[email protected]