ركزت كثيرا في السمات الشخصية والسلوكية وكاريزما التأثير التي يتمتع بها سائقو سيارات الأجرة في أحد البلدان العربية، وحاولت فهم طبيعة تلك الأمزجة وتصنيف وفرز تلك الشخصيات ومدى مطابقتها وتنوعها وانعكاسها في الحياة العامة لكل ما يحيط بنا من علاقات أسرية واجتماعية ومهنية ودينية ووطنية، فوجدتهم يمثلون النسيج الاجتماعي في أي دولة ومجتمع، ويختصرون علينا الخبرة في التعامل مع الناس وفهم شخصياتهم، وأن نسبة تصنيفهم من حيث الكثرة والقلة في أي مجتمع تعتمد على مستوى جودة التعليم وقوة النظام والقانون والثقافة العامة والقيم المجتمعية وتنوع الاقتصاد وأثره على الفرد والمجتمع والارتباط بالدين كمظهر جماعي أو علاقة فردية مع الله.
وبعد ما سبق تعالوا نتأمل في شخصيات سائقي الأجرة ووصفهم، فمنهم المتأرجح والمدقق في شخصية كل راكب قبل التوقف له وتحليل مظهره والتردد في خدمته وهو في حالة تأرجح بين الفرصة وضياعها، ومنهم المتأفف من كل ما حوله وينفي كل إيجابية في الحياة وعينه لا ترى إلا كل سلبية، ويدخلك في وسط مشاكله الأسرية وأزمته المعيشية، والمتمصلح سائق يحاول تغيير قناعاتك ووجهة نظرك حتى في مشوار المصلحة التي تود قضاءها، ويوهمك بأنه غيور على مصلحتك وهو يدرك العائد عليه من جراء تغيير مسارك، والسائق المحتال الذي عرف نقطة ضعفك وجهلك فيأخذك في الطريق الأبعد لزيادة الأجرة ويوهمك بأنه الخيار الأفضل في الابتعاد عن اختناق المرور والتأخير في الوصول، والسائق النصوح الذي ترتاح إليه ويمنحك الأمان من قسمات وجهه ويواسيك في مشاعر هدفك ويسدي لك النصيحة والخبرة في مشوارك، ولا يطلب منك إلا حق أجرة الطريق ولا يجادلك في التخفيض، والسائق المنشرح والذي ينعشك بخفة دمه ودماثة خلقه وحيوية كلماته وتعبيراته وكأنك في مسرحية كوميدية وتنسى همومك وبعدها تفوق على الوصول ودفع الأجرة من غير فصال وتهب السائق المتبقي منها، والسائق المتفلسف الذي يريد أن يبدي لك وجهات نظره في السياسة والدين والاقتصاد والحياة وأنت تستمع له وتحيي آراءه وتنبهر بفلسفته وتصفق له، والسائق الفضولي الذي يريد أن يستجوبك في خصوصيتك وانتمائك وأدق التفاصيل في مشوارك وأصل حياتك.
ولو أمعنا النظر في كل الشخوص التي تحيط بنا مهما كانت قرابتهم وعلاقتهم منا، لوجدنا تلك السمات المتنوعة التي اتصف بها سائقو الأجرة متأصلة فيهم، وما يقربنا منهم أو ما يبعدنا عنهم هو درجة التماثل والتنافر بيننا وبينهم، وقد تكون تلك السمات لسائقي الأجرة مجتمعة أو جزءا منها في شخصية الفرد منا، وتظهر منه بحسب كل موقف هو يتطلع للوصول إليه والحاجة منه في العلاقة مع الآخر، فكل واحد منا هو سائق أجرة بالنسبة للآخر في التعامل معه، وهذا السائق ابن بيئته التي شكلت هويته وقيمه وسلوكه سواء كانت إيجابية أو سلبية نوعية التربية التي درج عليها وفلسفة التدين التي تغذى منها وأسلوب التعليم الذي نهل منه، وتنوع مصادر الثقافة التي اطلع عليها وطريقة الالتزام بالنظام والتعامل معه والغاية من العمل في الحياة، فكل ما حولك سائقو أجرة وأنت راكب بالنسبة لهم فتعلم كيف تدير مشوارك مع سائق أجرة للوصول إلى هدفك.
[email protected]