ولكن تايلر كوين يقول في تحليل نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء: إنه بمرور السنوات استعاد «توافق واشنطن» جاذبيته ليبدو أفضل من «توافق بكين»، فعلى الصعيد البحثي أظهرت أحدث الأبحاث أن النموذج الأمريكي يحقق نتائج جيدة مع ارتفاع يعتمد عليه في معدل دخل الفرد في الدول التي تتبناه.
ولعل التطورات الأكثر دراماتيكية في هذا السياق جاءت من الصين نفسها، فالصين وظفت بكفاءة قوة الدولة لبناء البنية التحتية وإدارة مدنها وتعزيز النمو الاقتصادي، وكان أقوى مؤيدي «توافق واشنطن» يقللون من فرص نجاح هذا النموذج.
وبمرور الوقت أصبحت الصين «مدمنة لسلطة الدولة»، فعندما تظهر مشكلة في المجتمع، تتحرك الحكومة لعلاجها، والنموذج الأبرز كان الاستخدام المفرط للسياسة المالية لمنع وصول الأزمة المالية العالمية التي تفجرت في خريف 2008 إلى الصين.
ويقول كوين: إنه من الخطأ النظر إلى هذا الخوف بمعزل كامل عن إستراتيجية التنمية للصين، فإذا اعتمد أي مجتمع على قوة الدولة لحل مشكلاته، ستزداد قوة هذه الدولة، وتزداد المخاطر المرتبطة بذلك، معنى هذا أنه من غير الصعب القول «إن الصين كانت ستصبح أفضل لو ظلت الدولة الصينية أضعف».
ونظرا لآن قوة الدولة بشكل عام أصبحت محدودة، فإنه من الصعب على الصين حل الكثير من المشكلات الأساسية التي تواجه مجتمعها، فالقادة الصينيون يشعرون بالقلق من انخفاض معدلات الإنجاب في البلاد على سبيل المثال، ولم ينجح قرار رفع القيود على عدد الأطفال الذين يمكن للأسرة الصينية إنجابهم في حل المشكلة، وفي الكثير من المجتمعات تميل الأسر المتدينة إلى إنجاب الكثير من الأطفال، لكن الدولة الصينية تفرض قيودا على الممارسات الدينية في المجتمع.
ويقول كوين: إن المشكلات المتعلقة بـ «توافق بكين» أصبحت أكبر، فعلى مدى أغلب سنوات العقد الماضي اتبعت إثيوبيا نسخة من النموذج الصيني في التنمية واعتمدت على سياسات التصنيع والنمو في القطاع الصناعي، وحقق هذا النموذج بعض النجاح لفترة من الوقت، وسجلت إثيوبيا نموا بأكثر من 10 % سنويا، وأطلق كوين على إثيوبيا في ذلك الوقت لقب «صين أفريقيا».
ولكن نمو قوة الدولة في إثيوبيا أدى إلى تصدع التوازن السياسي المطلوب للحفاظ على تماسك الدولة، وأصبحت الدولة الإثيوبية مركزا للسيطرة، في الوقت الذي تزايد فيه الشعور بالخطر لدى المجموعات العرقية المتنوعة التي تتكون منها إثيوبيا، وسعت تلك المجموعات إلى الاستيلاء على السلطة، فدخلت إثيوبيا في أتون حرب أهلية، ما زالت عاجزة عن الخروج منها.
أخيرا، إذا كان النموذج الصيني في التنمية قد نجح في إقناع الكثيرين بجدواه خلال العقدين الماضيين، فإنه من غير المحتمل أن يظل كذلك خلال العقدين المقبلين.