مع أن التفكير يبدو ظاهره بسيطاً ولا يأخذ من الوقت سوى لحظات، إلا أنه عملية معقدة وبرمجة راسخة مكتسبة من مصادر مختلفة كالعائلة والمجتمع والإعلام. هؤلاء جعلوا من تلك العملية قوة ومرجعا للعقل يستمد منه الإنسان داخليا وخارجيا، الذي ينعكس بذلك على سلوكه ومشاعره، إضافة إلى هذا، التفكير ليس إلا تلك العملية النشطة المستمرة التي تحتوي على عدد هائل من الأحداث، التي تتراوح خلال أيامنا لتشكل حوارا داخليا عميقا ومستمرا. لذا حاجة الإنسان للتفكير المرن أو (المرونة المعرفية) حسب تسمية الخبراء لها أصبحت ضرورة، فالإنسان خلال حياته يمر بظروف قد تكون قاسية مما يجعله غير قادر على التصرف بالشكل الصحيح. فالمرونة المعرفية تسمح لنا بتغير مواقفنا والتفكير بأكثر من طريقة ممكنة تخدم ذواتنا وتحسن من صحتنا النفسية، لأن التفكير بصورة واحدة وعقلية ثابتة يمكن أن يحد من جهودنا للازدهار في بيئات متغيرة.
إن أكثر ما يميز الإنسان العاقل الواعي، الذي يستطيع أن يرى لحياته معنى ووضوحا ورسالة هو قدرته في أن يفكر بطريقة مرنة تخدم ذاته ومشاعره، مما ينعكس بدوره الإيجابي على سلوكه وحياته بشكل عام مما يمكنه من أن يرى موقعه في هذا الكون الفسيح، ويستطيع أن يغذي داخله بمشاعر الامتنان في كل مراحل حياته. ولعل التفكير المرن أفضل وسيلة تساعدنا في التعرف على ذواتنا بشكل أكبر وبصورة أقرب لنرى ما يصل دواخلنا وما ينعكس على مشاعرنا بكل وضوح. وعليه ولو استطعنا النظر بعمق في هذه العملية الإبداعية لوجدنا أنها الإدارة، التي نرى من خلالها أنفسنا لتفتح لنا آفاق التغيير والتوسع في الإدراك. على سبيل المثال جورج برناردو وضح ذات مره قائلاً «أولئك الذين لا يستطيعون تغيير آراهم لا يستطيعون تغيير شيء». فالشخص الذي لا يفتح لنفسه المجال في أن يتأمل في عملية التفكير ويتغير ويستجيب قد يفقد بريقه، وقد لا يدرك قيم الجمال في ذاته. وعلاوة على ذلك أينشتاين وضح أن مقياس الذكاء هو القدرة على التغير وربط ذلك بقوة التفكير المرن وجعلها أول الطرق، التي تحسّن من جودة الحياة وترفع من قيمها. نتيجة لذلك، المرونة لم تكن إلا استجابة أساسية للتغيير والاستمرار في ظل تحديات الحياة والتغيرات السريعة، التي تحدث؛ فإن التفكير المرن يصبح وقتها حاجة ضرورية.
إن إمكانية القدرة على التكيف مع التحديات الجديدة والمتغيرات، التي تطرأ بشكل مفاجئ والقدرة على تقسيم المهام الصعبة والارتجال وتعديل بعض الإستراتيجيات لجعلها ممكنة وقابلة للتحقيق، بالإضافة إلى وضع أهداف قصيرة المدى والعمل على تحقيقها يدرب الأشخاص للعمل بمرونة أكثر. فالعقل المرن يعيد تصور حلول جديدة، ويكتشف طرقا تخدمه لينشئ أدوات تجعل الأمور تصب في صالحه ليصل لمرحلة يجد ذاته بها مستقرة وموزونة، وإضافة على ذلك، لا بد أن نستوعب في قوة بعض المصادر وقدرتها في حد عملية التفكير المرن، حيث تقف العائلة والمجتمع والأصدقاء والمدرسة والإعلام وأخيرا نقف عند الشخص ذاته لأن البعض يجهل القدرة على التفكير بمرونة، فتراه غير مستعد لتقبل كل الأفكار ولا يحاول الخروج عن المألوف مما يجعله مقيدا بما هو منطقي أو ما هو متاح فقط. إن المرونة في التفكير لا تعني التهور، بل القدرة على الانتقال بين الحلول المطروحة وإيجاد حلول أخرى غير مطروحة تتناسب مع المتغيرات ليسهل عليك التنقل بين محطات الحياة المختلفة.
@OTebtisamalz