وبعيدا عن هذه العناصر، كيف ينظر الكثير من العلماء والفلاسفة إلى الاكتئاب وما هي النظرة السيكوديناميكية لهذا المرض وهل ذكر الاكتئاب في القرآن؟ ظهرت أولى الروايات المكتوبة عن الاكتئاب منذ أكثر من ألفي سنة قبل الميلاد، ووصفته على أنه حالات روحية سببها مس من الجن والشياطين، كما جاء في أساطير الإغريق والرومان والبابليين والصينيين والفراعنة. وفي الديانة الإسلامية، ذكر القرآن بما لا يدع مجالًا للشك حزن سيدنا يعقوب على فقدان ابنه سيدنا يوسف عليهما السلام «وتولى عنهم وقال يا أسفي على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم» وفقد نظره من شدة البكاء حزنًا.
كما ذكر القرآن أن العرب كانت تحزن إذا ولد للعربي أنثى وهي من عادات الجاهلية قبل الإسلام قال تعالى «وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به».
وقد كتب الروائي والفيلسوف الإنجليزي روبرت بيرتون في عام 1621 ميلادي عن معاناته مع الاكتئاب كتابا سماه تشريح تضمن أوصافا دقيقة لما نعرفه اليوم بمرض الاكتئاب. The anatomy of Melancholy الكآبة، كما تحدث الروائي الأمريكي والحائز على جائزة نوبل في الآداب ارنست هيمنجواي في كتاباته عن جلد الذات، وهو أحد أعراض الاكتئاب. وتشمل أعراض الاكتئاب المرضية بالإضافة للحزن، فقدان الشهية والوزن والأرق والإحساس باليأس وأعراضا أخرى منها فقدان الثقة بالنفس وعقدة الذنب واسترجاع الماضي والتحسر على ما فات.
والأعراض الأخيرة هي موضوع يتكرر كثيرا أثناء جلسات العلاج النفسي لمرضى الاكتئاب. فالمعالج يحاول تشتيت انتباه مرضى الاكتئاب بعيدا عن الماضي والتركيز على المستقبل. هناك مقولة شهيرة لمؤسس برامج علاج الإدمان من الكحول والمخدرات في القرن الماضي، والتي استمرت على نفس النهج كما نعرفها اليوم، هو تشارلز ديدريتش كان يرددها ضمن برامج تأهيل المدمنين. فكان كثير منهم يعانون من الاكتئاب، وهذه المقولة ذات دلالات مهمة وهي «اليوم هو اليوم الأول من بقية حياتك» في إشارة واضحة إلى وجوب تناسي الماضي والتركيز على المستقبل كأساس للعلاج والتخلص من آثار الاكتئاب والإدمان.
سيستمر الاكتئاب آفة تؤرق البشرية فهو يعتبر حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية ثاني أكبر مسبب للإعاقة. وقد تم تطوير الكثير من أنواع العلاج لهذا المرض، وهناك الكثير من الأبحاث لاكتشاف المسببات وأنواع علاج أخرى.
@almaiahmad2