لطالما كانت العمارة ومنذ بداية التاريخ انعكاسا لثقافة ساكنيها، وترجمانا لهم. فبمجرد النظر إلى الصور المعمارية يدرك العقل تلك الرسائل الصامتة، التي ينقلها المجتمع إلى العالم عبر الحجارة والحديد والزجاج. استدعتني صور جناح المملكة العربية السعودية في إكسبو دبي 2022 لأتفكر في الرسائل، التي تكمن وراءه بكتلته الكبيرة وميلانها الحاد وشاشتها الضخمة ووجدت أن التصميم مثّل ببراعة رسالة عالمية وهي احترام الحاضر للماضي ومواكبة المعاصر ونافذة للمستقبل. فالمشاهد يدخل تجربة بصرية متنوعة وثرية بعروض الفنون التقليدية بأحدث التقنيات وبتصاميم بعيدة كل البعد عن التقليدي، ولكنها في نفس الوقت تجعل المشاهد يسترجع الماضي بكل تفاصيله وجماله، ويتفاعل مع أي تغيير مستقبلي بطريقة مبدعة. نعيش في زمن يحتاج إلى البناء الذكي، الذي يربط بين التذكر والإبداع لنكون مجتمعا بهوية قوية وواضحة ويتجه إلى المستقبل بأسس الماضي القوي. إن التذكر والنسيان والإبداع من العمليات المعرفية العقلية للإنسان، فالتذكر هو استرجاع كل ما اكتسبه الفرد في تجارب الماضي على هيئة صور ذهنية سواء كانت لفظية أو بصرية أو سمعية والنسيان هو العكس، أما الإبداع فيعرف في اللغة العربية بأنه ابتكار وإيجاد شيء غير مسبوق بمادّة أو زمان. إن دماغ الإنسان مكون من ملايين العصبونات، التي تثير الواحدة منها الأخرى، وفي كل مرة يتعلم الإنسان معلومة جديدة أو يرى ما هو جديد، فإنه يرصف طريقا بين هذه العصبونات لم يكن موجوداً من قبل، ولكن هذه الطرق تحتاج دائما إلى ترميم وتطوير. وليس هناك مَن هو أدرى بهذه الطرق أكثر من صاحبها، وبالتالي فإن رصف طرق جديدة -أي عمل روابط جديدة- يتمثل بالإبداع، والمحافظة على ما هو قائم وموجود يتمثل بالتذكر أما إهمال الطرق الموجودة فيتمثل بالنسيان، والواقع أنه لا توجد طرق محددة لتطوير أيا منها. وإن اجتمع العلماء على رصدها وتحليلها. فالإنسان هو المخلوق الوحيد، الذي وُلد دون أي إستراتيجيات محددة لتعامله مع البيئة الطبيعية من حوله كما يقول الجادرجي. يعكس التذكر والإبداع العلاقة، التي تربط الماضي والحاضر والمستقبل. ولا يوجد أقوى وأسرع من الصورة المرئية تأثيرا على دماغ الإنسان تحفزه وتنقله من الحاضر إلى الماضي أو إلى المستقبل سواء كانت الصور من التجربة الواقعية أو من الصور الفوتوغرافية. فإذا حضرت الصورة فلا حاجة لكلمات تكتب لتعبر عن المراد. فالصورة هي المنتج البصري، الذي يحمل معه الكثير من المعاني، التي تصل بسرعة الضوء إلى عقل المشاهد بهدوء مخترقة كل الحواجز اللغوية والثقافية والجغرافية لذلك هي لغة بصرية عالمية. وقد استخدمت الصور على مر العصور لتوصل رسائل معينة للمتلقي بدءا من أقدم الحضارات إلى الشركات الإعلامية الحديثة سواء كانت رسائل ترهيب أو تحبيب أو تعليم أو ترفيه أو تسويق وغيرها. ولم يقتصر استخدام الصور للتذكير بما هو محبب، بل أيضا استخدمت لقمع ذكرى سيئة وتناسيها، ففي البوسنة والهرسك مثلا استخدمت صور الآثار، التي تحمل في طياتها كل ما هو إيجابي كمحفز للتلاحم الاجتماعي وكأداة فعالة للتنمية المستدامة للمصالح الوطنية أو الإقليمية، وهمشت وألغت صور الآثار، التي حملت ذكريات الحرب المدمرة برغم قيمتها التاريخية.... فلكل مجتمع هوية ولكل هوية صورة تحمل رسالة عالمية.
إنستجرام: Dr_fatima_Alreda