كنت أتصفح إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، فأبديت إعجابي بملامح إحدى الشخصيات وحسن خلقها، وكانت والدتي حفظها الله تسمع تعليقي على الصورة، رفعت رأسها بشكل عفوي وقالت بلهجتها اللطيفة (الزين من زان دلة)، سألتها ماذا يعني ! أخبرتني بأنه مثل يضرب في حلاوة الطبع دونا عن الشكل، وبأن الجمال الحقيقي هو جمال الطباع والسلوك، وهذا المقياس ثابت ولا خلاف عليه، نظرت إليها وأنا ممتنة لكل هذه العفوية والحكمة وجمال الحديث وقلت لها: مثلك !، لكن أنت جميلة قلبا وقالبا، ويبدو أنني أخجلت الحكيمة من ابتسامتها التي أضاءت وجهها.. لا شك أن للطباع الفاضلة وسلامة السريرة أهمية عظيمة ودورا كبيرا في حياة الإنسان وفي مجتمعه ليتم قبوله، ذلك لأن الإنسان سيئ الطبع معدوم الفضيلة يصنع حوله حاجزا يحول بينه وبين الآخرين نفسيا ومعنويا ويستجلب لنفسه الضغائن ونفور الآخرين منه. فطرة الإنسان القويمة تنافي سوء الطبع وليس من المنطق أن تكون الطباع والعادات الحسنة فطرية فقط، وإلا لن يكون للتوعية والوعظ والقدوة والزواجر قيمة أبدا، إن الجميل يكتسب ويصنع ويغذى ويبقى الإنسان يجاهد في تقويم نفسه وأخلاقه في طباعه الحياتية وفيما بينه وبين الناس، يقول المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا) و(إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار). إن شكل الإنسان الظاهري ليس تبيانا عن بواطنه، كما أننا لا نعلم ما يخفيه قلب أحدنا من حسن النوايا، لذلك كان طبع الشخص وخلقه الذي يبديه مهما، من رأى نفسه جميلا في شكله فلينظر إلى مرآته، إن هو استعذبها فليمنعها أن تشوه هذا الجمال بسوء الطباع، ومن وجد ما يكره في شكله، فليستحي أيضا أن يضيف قبحا على ذلك، وجدانك وضميرك هما صوت حقيقتك بينك وبين ذاتك. يقول الأديب العالمي طه حسين: «أحسن المعرفة معرفتك لنفسك، وأحسن الأدب وقوفك عند حدك». وإنه مهما بلغ بك العلم ومهما خضت في غمار الحياة لتمحو أمية عقلك فإنه لن ينقذك لو افتقرت إلى الأدب ! يقول الأديب والروائي جلال الخوالدة «الأمية ليست مقدار ما تجهله من العلوم بل مقدار ما تتجاهله من الأدب والاحترام»، وإنني بهذا لا أجحف الحسن والجمال في أصل الأشياء والمخلوقات، فالله سبحانه جميل يحب الجمال ولكن يا حبذا لو اعتليت فيهما سويا: خلقا وخلقا.
قيمة الإنسان الحقيقية في فضائله التي يتحلى ويتجمل بها وتعرف عنه، فيصبح محمودا لا مذموما ومقربا لا مبعدا، وإننا أحوج إلى الاهتمام بالأدب وفضيلة السلوك القويم في عصرنا الحالي لنتفادى ثورة التغيرات في الوقت والتأثيرات الثقافية المختلفة التي قد يتشربها الفرد من مجرد النظر إلى شاشة جهازه فتصبح عادته وسلوكه بشكل غريب وملحوظ، يقول الشاعر حافظ إبراهيم:
إني لتطربني الخلال كريمة.. طرب الغريب بأوبة وتلاق
ويهزني ذكر المروءة والندى.. بين الشمائل هزة المشتاق
فإذا رزقت خليقة محمودة.. فقد اصطفاك مقسم الأرزاق
والناس هذا حظه مال وذا.. علم وذاك مكارم الأخلاق
والمال إن لم تدخره محصنا.. بالعلم كان نهاية الإملاق
[email protected]