وقفت عند المسجد، وأخرجت محفظتي وأعطيته ما فيها كله، وكان مبلغا كبيرا، والله لا أملك في جيبي، ولا بيتي ولا البنك سواه. ذهل الرجل جدا، وحاول أن يمتنع عن قبوله لولا عضة الجوع والحاجة، وما أقساها على كرماء الناس. قبلها بخجل شديد أثر في وجنتيه في شدة الحر، ورفع يديه، ودعا لي بدعاء عجيب، اقشعر منه جلدي، ودموعه تتساقط على خديه. قال لي: سأصلي معكم في هذا المسجد متى ما رزقني الله هذا المال كي أقضيك دينك، فإن لم أجدك سأعطيه إمام المسجد. سألني عن اسمي، فلم أخبره. وقلت: والله لا آخذ منك شيئا، وهذا هدية لك. نزل للصلاة وهو يردد دعاء لم أتبينه.
ذهبت لكي أجد موقفا لسيارتي، فلما نزلت وقبل أن أصل إلى المسجد، سمعت نغمة رسالة نصية، في هاتفي، فتحتها، فإذا هي: تم إيداع مبلغ 60 ألف ريال!. أشغلتني جدا، ولا أعلم أني أطلب أحدا هذا المبلغ. صليت وخرجت سريعا، مداراة لخاطر صاحبي ذاك أن يراني فيحرج، وكي أتأكد من البنك. بعد أن اتصلت، قال لي موظف البنك: هذا إيداع من مؤسسة فلان. عرفته، فهاتفته، فضحك، وقال: لعلك اتصلت حتى تسأل عن هذا المبلغ؟. قلت: نعم. فقال: عندي موظف يعمل بالحسابات، ربما لم يعمل خيرا إلا هذه المرة!. وطلبت منه تحويل هذا المبلغ لفلان فالتبس عليه الاسم، ولأن رقم حسابك مربوط برقم هاتفك فقد حصل عليه بسهولة، وجاءك المبلغ!. قلت: إذن أرسل لي رقم حسابكم حتى أعيده. فقال: والله الذي لا إله غيره لن تعيده، ولن أقبله، وهذا هدية مني لك، فقد حضرت لنا حفلات كثيرة، ولم نتجمل معك كما ينبغي. حاولت أن أثنيه عن هذا الحلف فلم أفلح. فشكرته وأنا أعلم علم اليقين، أن الذي أودعها في حسابي هو الله عز وجل!.
[email protected]