[email protected]
أنا لست مع مقولة إن أعذب الشعر أكذبه، رغم أن طائفة من النقاد ومن الشعراء أنفسهم يركنون إليها، لأن الشعر يعتمد غالبا على «الأخيلة» والخيال يجنح إلى الوهم أحيانا ويبتعد عن أرض الواقع، فهو إلى الكذب أقرب منه إلى الصدق، أو يفترض فيه أن يكون كذلك، ويذهب هؤلاء إلى أن «الكذب» في الشعر بهذه «الصورة الخيالية» يعد مصدرا من مصادر قوته لا ضعفه، بمعنى أنه يلون الأشياء بألوان زاهية قد تختلف عن ألوانها الطبيعية الزاهية ولكنه يعطيها قوة أخرى، ربما اختلفت عن قوتها الحقيقية، ورونقا آخر يختلف عن رونقها الأصلي، أي أنه يمنح تلك الأشياء بعدا وعمقا جديدين قد يختلفان عن «الواقع» تماما، وهذا ما يكتشفه «الشاعر الكذاب» ولا يقف عليه القارئ، أعني اكتشاف العلاقة الجذرية بين الوقائع والأشياء، على أن الأمر لا يبدو في ظاهره بهذه العفوية «المبالغ فيها»، فصحيح أن الشاعر يقوم باستغلال «صوره الشعرية» المختزنة لخدمة أغراضه التي قد تجنح إلى الخيال وتبتعد عن الواقع، إلا أنه استغلال «غير كاذب» بالمفردات الأخلاقية المتعارف عليها بين البشر، وإنما هو تعبير صادق عن المشاعر الجياشة التي تمور في صدر الشاعر ويريد التنفيس عنها وفق مرئياته الخاصة.
ولذلك أقول إن «الصور الجمالية» التي تصطبغ بها هذه القصيدة أو تلك ليست في جوهرها «كذبا» ومعظمها على الأقل لا يعد كذلك ولكن المتلقي يفسر معانيها على هواه فيزج بها في مهاوي الكذب أحيانا، ولكن لماذا لا نقول إن «المبالغة» في الوصف أو المدح أو النسيب أو حتى الرثاء قد تعد لونا من ألوان الكذب في الشعر فتصدق عليه «العذوبة الكاذبة»؟ بيد أن ذلك قد لا ينسحب على جميع الشعراء في واقع الأمر لأن بعضهم قد يمدح من يستحق المديح عن جدارة فأين مواطن «المبالغة» في هذه الحالة، وبالتالي أين موطن الكذب فيما يقولون من مديح؟
[email protected]
[email protected]