[email protected]
لا شك في أن المعرفة العربية بشتى مسمياتها، ومنها المسمى الأدبي، لها ارتباط جذري بالمعرفة الشرعية، فالحركات الابتداعية أيًا كان شكلها، لابد من إحاطتها بأصولها الانتمائية، بمعنى أن المغامرات التغييرية لن تحقق تميزًا يُذكر نظير التمسك بخصوصية الأمة ومناهجها الواضحة، فالحركة الأدبية القديمة، كما هو معروف، اتسعت آفاقها باتساع الحضارة العربية، وتمكنت باقتدار من الانفتاح على آداب بقية الأمم وثقافاتها، بما في ذلك الانفتاح العلمي؛ لارتباطه بقوة العقل المشتركة بين البشر، غير أن ذلك لا يعني أن آفاق تلك الحركة لم تهضم الآداب والثقافات اليونانية والفارسية والهندية، فقد برع العرب في ترجمة ما جاء في أشعار وخطب أرسطو، وما خلّفه اليونانيون والفرس والهنود من بلاغة، وقد أسهم ذلك بطريقة مباشرة في إثراء النهضة الأدبية العربية، ورفدها بأفكار وإبداعات جديدة.
وتلاقح الأفكار بين الأمم ليس بدعًا في حد ذاته، فكما تأثر العرب قديمًا بمعطيات غيرهم من الشعوب، فقد تأثرت آداب العديد من الأمم بالأدب العربي، وليس أدل على ذلك من استقاء أشعار العجم الأوزان والعروض من الشعر العربي، وتراجم شعراء الفارسية تعجُّ بألوان من الأساليب التي تدل بوضوح على تأثرهم بالتقاليد الشعرية العربية كتأثرهم بالبحور والدوائر والوزن والقافية، وغيرها من تلك التقاليد التي نسجوا كثيرًا من أشعارهم على منوالها، ولم يقتصر ذلك على الشعر وحده، بل امتد إلى صور نثرية متعددة، ونذهب إلى أبعد من ذلك، حينما نكتشف أن الالتقاء بين الأدب العربي وبعض الآداب الغربية هو التقاء واضح لا لبس فيه، كالتجانس بين شعر «دانتي» ومؤلفات المعري، وانتشار القافية في الشعر الغربي، وقد اهتم المستشرقون بدراسة الآداب العربية بشكل دقيق وعميق؛ لما تحمله من قِيَم إنسانية كبرى.
[email protected]
[email protected]