المعاني التي يطلقها الثوار أو دعاة الثورة على منصات التواصل الاجتماعي تتبنى في ظاهرها قيما إنسانية نبيلة كالعدل وتحقيق المساواة والقضاء على الظلم والفساد، بيد أن قراءة فاحصة لسلسلة الثورات، التي اندلعت في منطقتنا العربية منذ أوائل خمسينيات القرن الماضي وحتى السنوات الأخيرة تعكس عن حقيقة تخلي الثوار عن هذه الشعارات فور تمكنهم من الحكم، وهذا يعود بصراحة إلى طبيعة اضطراب النفسية الثورية بعد تسلمها للمناصب القيادية، التي تحتاج إلى مهارات إدارية وقدرات لا تتوافق مع طبيعة الشخصية الثورية، التي تكون أقرب إلى الاضطراب المزاجي حتى لو كانت تمتلك الكاريزما الإنسانية أو مهارات الخطابة والفصاحة، لأن المعيار الفعلي في الإدارة هو القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة والصائبة على المدى البعيد، وهذا ما لم نجده أبداً في تلك القيادات الثورية.
ولو تأملنا عشرات الثورات، التي اندلعت حول العالم لوجدنا أغلبها قد باءت إلى الفشل، ومما يزيد الأمر سوءاً أن وسائل الإعلام التابعة لها تصور عبر برامجها الإعلامية أن وصول هؤلاء الثوار إلى الحكم وتمكنهم من إزالة النظام السابق هو معيار النجاح الوحيد، ولا تصور لهم أن النجاح الحقيقي يكمن في رفع مستوى المعيشة للشعب وتحقيق طموحاته وآماله وتطلعاته!!.
وفي الختام، يخطئ بعض قراء التاريخ عندما يرجعون نجاح الحكومة الصينية إلى كونها نتاجا ثوريا مستمرا، وهذا خطأ فادح وشنيع كونه يفتقر إلى القراءة الفاحصة لتاريخ الصين الحديث، فهذه النهضة الأخيرة ما كانت لتتحقق بهذه الصورة الإعجازية لولا إصلاحات الحزب الحاكم، وتخليها عن أفكار ماو الثورية، فالحقيقة التي لا تحتاج إلى برهان بأن الصينيين لو استمروا على نهج ماو الثوري لكانوا يقبعون اليوم على هامش التاريخ، وليسوا دولة تنافس على انتزاع صدارة العالم، فالفكر الثوري المزمن لا ينتج تنمية حقيقية على الإطلاق.
@albakry1814