الوظيفية تعني سلفا وضوح الهدف والرؤية، التي تعمل بموجبها أعضاء المجتمع وعناصره لتحقيق الوظيفة المجمع عليها من قبل المجتمع، التي ارتضاها لنفسه. هذا هو مجال الوظيفية أنها تهتم بالأداء الوظيفي، الذي يضمن أداء عمل المنظومة بشكل فعال وسلس وبدون أي صعوبات تذكر.
تعني الوظيفية سلفا قبول كل عضو في المجتمع بدوره، الذي يؤديه في منظومة عمله. والمجتمعات هي منظومات عمل بامتياز وهي كما الكائنات الحية تتفاوت في مدى تعقيدها. ولنا في المجتمعات التاريخية في كل من مصر القديمة والصين ربما أوضح مثالين على المجتمعات الوظيفية. كان المجتمع المصري القديم مجتمعا زراعيا قائما على النيل، تماما كما هو حال المجتمع الصيني، الذي نشأ على ضفاف النهر الأصفر ونهر اليانع سي "نهر الجنوب". وكما كانت الديانة المصرية القديمة والفرعون فيها في المركز أساس التنظيم الاجتماعي والديني في مصر القديمة، كان كونفوشيوس وتعاليمه، إضافة إلى مبادئ الطاوية والبوذية مؤخرا هي قواعد بناء المجتمع الصيني. وفي مجتمعين زراعيين شديدي التنظيم كانت البيروقراطية هي الآلية، التي نظمت كل شؤون الناس في مجتمع الدولة. لقد كانت مصر القديمة والصين مجتمعين وظيفيين بامتياز. وهل هو من باب المصادفة يا ترى أن لغة كل منهما كانت لغة صورية بالرغم من اختلاف التاريخ والجغرافيا والتباعد بين هاتين الحضارتين الأقدم في العالم؟.
المجتمع الوظيفي مجتمع يقوم على الإدراك الواعي بأهمية كل عضو في المجتمع بأهمية الدور، الذي يقوم به. ولذلك فإن المجتمع الوظيفي مجتمع تجري فيه الأمور بسلاسة وانسيابية عبر وسائل وظيفية أيضا يتم بموجبها تبادل الأدوار بين مكونات المجتمع لتضمن انسيابية الأداء.
وكما تمت الإشارة إلى ذلك آنفا، فإن الوظيفية قد تكون غاية في تحقيق تطلعات المجتمع العليا، وقد تكون هدفا بحد ذاتها. وفي هذا فارق شاسع بين مجتمع وظيفي وآخر. الوظيفية الناجعة هي تلك التي تضمن الإنتاجية والتجديد والتفاعل الخلاق بين متطلبات التنمية ومخرجاتها وتحقق الرضا الذاتي بين أفراد المجتمع ووظائفهم، وأماكن عملهم وعلاقات العمل فيما بينهم وبين بيئة العمل ذاتها.
وإذا ما تم النظر للمجتمعات العربية اليوم فإنها جميعا بلا استثناء تكاد تكون مجتمعات وظيفية، إذ إن المجتمع الوظيفي يحتم وجود الدولة قبل أي شيء آخر. ولأن مفهوم الدولة بمعناه السوسيولوجي مازال يافعا في الدول العربية، فإن مجتمعاتها الوظيفية ما زالت هي الأخرى في طور النشوء.
في هذا السياق ومن باب توزيع الأدوار في المجتمع الوظيفي، فإننا كأفراد فاعلين في المجتمع مطالبون بألا تكون الوظيفة مجرد عمل وظيفي فحسب. المجتمع الوظيفي الناجع هو الذي يوظف طاقاته الفردية لخدمة الكل. ولنا أن نتخيل إنتاجية مجتمع يتخذ من شعار: الكل للواحد والواحد للكل نبراسا له. عندها تصبح الوظيفة ليست مجرد أمان وظيفي فحسب، بل ورافعة أساسية من روافع التنمية.
[email protected]