تعودت من والدتي عندما أسافر خارج المملكة أو داخلها أن تتصل بي يومياً للسؤال والاطمئنان علي برغم إلحاحي ألا تتصل رغبة أن تكون المبادرة مني ـ ولكن هكذا قلب الأم ـ وبعد أن أشتد عليها التعب أصبحت أنا أتواصل معها حتى دخلت في مرحلة صعبة لا تستطيع الرد، ولكن من باب ـ شيء في النفس ـ ما زلت أتواصل معها على جوالها، ولكن لا تجيب حتى توفاها الله قبل عدة أيام.
أتعلمون ماذا دار في ذهني بعد وفاتها -رحمها الله- بدأت استرجع شريط الذكريات عندما كنا نعتقد أن الزمن ثابت لا يتحرك، وأن كل شيء قابل للتأجيل مغترين بطول الزمن ودوام الصحة والعافية، وهي أمور لا يمكن الركون إليها لأنها ذاهبة متحولة تسحب البساط من تحت أقدامنا دون أن نشعر، بل إننا في غمرة المشاغل ربما يصيبنا الملل عندما يطلب منا أحد الوالدين عملاً نعتقد بصعوبة تنفيذه وندعه أو نماطل من باب التجاهل حتى ينساه أو يتناساه الأب أو الأم، في هذه اللحظة أكاد أموت حسرة وفرحاً ـ الحسرة ـ لأنني لم أنفذ طلباً من طلبات والدتي بسبب سوء تقديري ـ وإن كنت ولله الحمد ـ أرى نفسي غير مقصر في هذا الأمر، أما الفرح فهو عندما أتذكر تحقيقي لطلباتها بشكل مستمر عندما ترغب في أمر ما.
الزمن سريع ومتقلب، ويجب الحذر منه ولا يرحم صغيرا أو كبيرا، ولذلك بادروا قبل أن يسرقكم الزمن وتقربوا إلى أحبابكم بكل ما تستطيعون ـ ما دام ـ إلى ذلك سبيلاً، أما إذا تعذرت السبل فما على المؤمنين من حرج، لا تعتقدوا أن الجميع ينتظركم فاتحاً ذراعيه حتى تنتهوا من أعمالكم وبالذات والديكم، بل أجلوا العمل من أجلهم وأقضوا حاجاتهم لأنها رصيد ممتع جداً وذكريات رائعة تسترجعونها بكل سعادة بعد وفاتهم؛ لأن الجميع بعد لحظات اللاعودة عندما تسأله يقول عملت لوالدي أو أخي أو أختي، ومَن في حكمهم كذا وكذا، ونفذت لهم أغلب طلباتهم بكل سعادة وأريحية، أما الصنف الآخر فبالتأكيد ستأكل الحسرة والندم قلبه، ولكن لن يكون هناك خط رجعة وربما تقول: اتصلت عليكِ يا أمي ولم تجيبي.
@almarshad_1