[email protected]
ليس بخافٍ في عصرنا الحاضر انفتاح الأدب العربي بمختلف أنماطه ومساراته على كافة الآداب المعاصرة بما تحمله من تيارات جديدة، ويذهب البعض من نقاد الأدب العربي ودارسيه إلى أهمية التجديد عن طريق التحرر المطلَق من التقاليد الأدبية الموروثة، والانفتاح دون تحفظ أو حذر على كل التقنيات الأدبية العالمية، بحجة إضفاء إنسانية واسعة على الأدب العربي، وهم ينطلقون بهذه الدعوة التجديدية من منطلق تشابه الأمزجة والسعي نحو ضروريات الحياة، بيد أن هذه الدعوة في جوهرها أدت إلى تغيير متعمّد قد يضر بثوابت الأمة، ويضر بخصوصيتها؛ لاسيما أنها محاولة مكشوفة لتغيير نمط التفكير وتحطيم الثوابت المعروفة، والتقليل من أهمية المصادر الحسية في الأدب بحجة أن التغيير يطرح منتجًا عقليًا يرنو إلى إقناع المتلقين بمعطياته، وهو أمر أدى إلى عدم الثقة بنتاج هذا الأدب برمته.
وهذا يعني أن الاقتناع مشكوك في صحته رغم اصطباغ المرحلة التجديدية بصبغة علمية صرفة، فرصيد الإبداع آخذ في الانحسار على حساب ملكة النقد والفهم، غير أن ذلك لم يحُل في واقع الأمر دون ممارسة ملكة الإبداع الحسية، وإن ظهر الضعف في بعض نصوصها «لاسيما النثرية منها»، حيث طغت «الهندسة الذهنية»، إن جاز القول، على الروافد الحسية أثناء بناء الرؤية المعرفية بكل تشكيلاتها اللغوية والذهنية، ورغم ذلك فإن هذه الرؤية، إن وقفنا على اتجاهاتها، لا تمثل مشكلة حقيقية، وإنما المشكلة تكمن في تعمّد رفض المرجعيات الانتمائية، ورفض الخصوصيات والرغبة العارمة وغير المسؤولة لاستحداث منطلقات جديدة لمرجعياتٍ لا علاقة لها بالتراث العربي الأصيل من قريب أو بعيد.