وليس لنا أن نصدق ما ورد في كتب بني إسرائيل إلا أن من الممكن اعتبارها ككتب تاريخ ومصدر له سقيمها وسليمها. والتوراة بالنهاية أو العهد القديم كما يسمى كتاب سيرة وضع بأقلام عدد كبير من بني إسرائيل وبلغات زالت من الوجود. ولا يزال محدثونا ووعاظنا يستعينون بها حين نذكر الإسرائيليات فهي مصدر للعبر والأمثال رغم عدم إيماننا بما أتى بها.
تذكر الإسرائيليات أن نبي الله شعيب كان كاهن «مديان». ومديان كما تذكر أيضا الإسرائيليات هو ابن آخر لنبي الله إبراهيم عليه السلام. فأرض سكن قومه في «مدين» كما نذكر باللغة العربية هي تلك التي استأثرها مديان بالسكن والإقامة له وذريته. والمعضلة لا أحد يعلم أين كان سكنه؟ إلا أن الإسرائيليات حددتها بمنطقة جغرافية تمتد من الأجزاء الشمالية الغربية من البحر الأحمر وجنوبا إلى مناطق حددتها ووضعتها في المنطقة التي حكمها الأنباط تحديدا. وهي منطقة كبيرة تمتد شمالا من الأردن وصحراء النقب وجنوبا إلى المنطقة المعروفة بالعلا أو مدائن صالح.
ومن التواتر التاريخي أن بئر مدين المذكورة بالقرآن الكريم بقصة موسى عليه السلام حين التقى ببنات نبي الله شعيب وسقيه لهم للماء، موجودة بما يعرف اليوم بمغاير شعيب. إلا أن من الأخطاء الشائعة ربط تلك المقابر المعروفة بالمغاير أنها لقوم شعيب لأنها نبطية لا شأن لقوم شعيب بها. كما يذكر القرآن الكريم أن رعي الغنم إحدى المهن المهمة والتي استؤجر موسى لها. ورعاية الغنم لا تتم إلا في المناطق المفتوحة التي تنمو فيها الأعشاب ومناطقها في تلك السلسلة الجبلية من الساحل الغربي محدودة. إلا أن وجود البئر يحدد تلك المنطقة بمدين التاريخية والتي ارتادها نبي الله موسى في رحلته الأولى هربا من فرعون مصر.
ومما يعثر عليه في تلك المناطق، آثار لنقوش صخرية بعضها أقدم من الآخر من الصعب تحديد عمرها الزمني، إلا أننا بالإضافة نجد مثيلاتها في كافة أنحاء الجزيرة العربية. ونجد فيها ما يعرف بالخط الثمودي مجازا، كما نجد تصاوير لمعارك حربية وفرسان ورحلات صيد. كذلك نجد نقوشا لجمال ونعام ورسوما كهيئة رجل وما يلفت النظر الوجود الكثيف للجدي ذي السنام المعكوف والذي ربما كان يرمز لإله القمر «سين» كما في بلاد الرافدين من حضارة سومر. وسين كما ورد في الإسرائيليات أنها مكان محدد وسيناء هي سلسلة جبلية وليست هي بتلك من جبال السروات.
ورد في القرآن الكريم في قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام أنه كانت هناك عبادة للقمر. وأور تلك المدينة محل الأحداث كان يوجد بها أكبر معبد لذاك الإله «سين» مما يجعل المنطقة والتي سميت «سينين» وربما كان الاسم مركبا كما في «سين إين» و«سينين» الذكر الآخر في القرآن أنها تلك المنطقة والتي كان يعبد بها إله القمر أو سميت به.
ومما ورد أيضا عند عبدالله فلبي العالم البريطاني المعروف في كتابة «مدين» عندما زارها واضعا مغاير شعيب سكنا لقوم مدين، كما حدد مواضع لها أخرى في أحد أودية حرة الرحا بالقرب من منطقة شقري جنوب تبوك.
ورغم الحديث عن مدين إلا أنه لا يزال البحث عن آثار قوم شعيب في محله. وربما ذات يوم يكتشف أحدهم عند البحث والتنقيب الأثري في بئر مدين المعروفة ليعزز ما ورد بالقرآن الكريم ومعروف بكتب التاريخ والسير عن قوم شعيب.