لدى الكثير من الناس عادة سيئة وهي الحديث عن حياتهم الشخصية وخصوصاً مع وجود وسائل التواصل الاجتماعية، والسعي الحثيث للشهرة بأي طريقة كانت مما يجعلهم كالكتاب المفتوح لمن حولهم وفريسة سهلة للمتصيدين بكل أنواعهم. لكن لدى الكثير أيضاً عادة أسوأ وهي السؤال عما لا يعنيهم كحياة الآخرين وأمورهم الشخصية. يتعلم الإنسان عن طريق السؤال والاستفسار لكن سؤال المرء وتدخله فيما لا يعنيه لا يكون إلا لإشباع رغبة الفضول والتطفل على حياة الآخرين والتي بإمكانها أن تغذي صفات أخرى كالحسد والطمع والنميمة وغيرها.
نحن هنا نتحدث عن مساحة معنوية تختص بحياة الإنسان الشخصية وأموره الخاصة التي إن خرجت للعلن فلن تضيف لأحد أي فائدة بينما بإمكانها تدمير حياة الشخص نفسه. مثال على ذلك هي أمور الإنسان العاطفية أو تفاصيل حالته المادية. لذلك قيل اكتم عن الناس ذهبك وذهابك ومذهبك. أما ذهبك فهو مالك ونعم الله عليك والإفصاح عنها سيضعك إما في موضع الحسد والاستغلال أو الشفقة والإذلال. أما ذهابك فكل ما تنوي عمله وخططك المستقبلية سواء كانت وظيفة، زواجاً، سفراً وغيره. لقد نصح نبي الله يعقوب ابنه يوسف عليهما السلام بألَّا يقصص رؤياه على إخوته فيكيدوا له كيداً خوفاً عليه من حسدهم وكيدهم.
أما مذهبك فتعني إيمانك وقناعاتك ومعتقداتك وما تحب وتكره. فمن الأفضل ألا يتحدث الإنسان عن نفسه وأفكاره إلا للضرورة وأن يتفادى الجدالات العقيمة. إذاً، تكتم على هذه الأمور الثلاثة وكل ما ينطوي تحتها وما يمت لها بصلة أو أي شيء تشعر أن لا حاجة للناس لمعرفته وبإمكانه ضرك.
وتتحكم المسافات المعنوية كثيراً في المسافات الشخصية الجسدية، فتتمدد الأخيرة أو تتقلص بحسب قوة أو ضعف الأولى وبإمكانها في بعض الأحيان تعريض حياة الإنسان واستقراره للخطر.
على الرغم من أن مهارة الفصل بين الحياة الشخصية والحياة العامة هي مهارة صعبة جداً، لكن يتحتم علينا جميعاً تعلمها وإتقانها وتعلم لغة المسافات النفسية والجسدية، محاولة معرفة مسافات الكائنات الحية واحترامها، تحديد مسافاتنا الشخصية وإيضاحها شفهياً وبكل صراحة إذا لم ينفع التلميح!
@Wasema