مر كثير منا في مرحلة من مراحل حياته بتجربة العيش كعضو في مجتمع أقلية خارج وطنه، ولهذه التجربة الفريدة شعور خاص ومميز بكل المقاييس. كثير من المبتعثين السعوديين في الخارج عاشوا ضمن مجموعة ارتبطوا بها بسبب الدين، الثقافة أو اللغة، ومن خلال تلك التجارب عرفوا معنى هذ الإحساس وقدموا التضحيات لبلوغ هدفهم وهو الحصول على الشهادة. وينطبق ذلك بشكل خاص على من قضوا فترات طويلة في الغرب كطلاب ومتدربين اكتسبوا الكثير من الخبرات والذكريات بالإضافة إلى الشهادات التي عادوا بها للوطن. وقد رأيت أنه من المفيد للجيل القادم الحديث عن تجربتي الشخصية والتي تخطت العشرين عاما في أمريكا كطالب ومن ثم طبيب متدرب ولاحقا كممارس وأستاذ جامعي في جامعة ييل الأمريكية (Yale University)، والتي ستكون بإذن الله ضمن محتوى كتاب في المستقبل القريب. وعانى بعضنا خلال هذه التجربة في الطريق للتأقلم مع المحيط الجديد والتغييرات الثقافية والاجتماعية، كفرد مسلم يعيش في حضارة غربية مختلفة في عدة نواح. وهناك شعور خاص لمن عاش في هذه المجتمعات يختلف كثيرا عن تجربة الزيارة كسائح مقارنة بمن قضى فترة كمقيم ومن مر بهذه التجربة يدرك ذلك. وقد تمكن الكثير من المبتعثين السعوديين من تجاوز هذه السلبيات والتركيز على الهدف الأساسي الذي ابتعث من أجله، ضمن برامج الابتعاث لحكومتنا الرشيدة بهدف بناء جيل من الشباب المتعلمين الذين عادوا للوطن للمساهمة في البناء. هناك قلة ممن لم يتمكنوا من التأقلم وتجاوز الصعوبات في مجتمعات منفتحة مختلفة قد تمارس التفرقة العنصرية والاضطهاد ضد الأجنبي، ولم يتمكنوا من الحصول على التعليم والتدريب المطلوب ولكن عادوا للوطن بذكريات كثيرة ممتعة أو مؤلمة في بعض الأحيان. ابتعثت كطبيب للتخصص للولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الأولى من التسعينيات، بعد أن شاركت في حرب الخليج الأولى أثناء عملي بمستشفى القاعدة البحرية العسكري بالجبيل. ومررت مع الكثيرين ممن عاشوا في تلك الحقبة في المنطقة الشرقية بتجارب سقوط صواريخ السكود، ولبس الأقنعة الواقية من الكيماوي بعد سماع صفارات الإنذار. وتشرفت بالمشاركة في الجهود الطبية على الحدود مع الكويت بجانب زملائي الأطباء العسكريين الذين جمعتني بهم ظروف الحرب وخدمة الوطن. ذكرياتي عن المجتمع الأمريكي في بداية التسعينيات كانت إيجابية بشكل كبير، فقد كان مجتمعا متسامحا متقبلا لمن هم يختلفون معه في الدين والثقافا وحتى في الاتجاهات السياسية والسلوك الاجتماعي. وقد كان لذلك الأثر الكبير في قدرتي على التأقلم والاندماج في البيئة الجديدة، ولكن الصورة تبدلت بشكل كبير بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وازدادت سوءا بعد أن عانى المجتمع الأمريكي من تبعات أزمة الرهن العقاري والصعوبات الاقتصادية في عام 2008. وما زلت أذكر الإحساس بالتمييز العنصري عند مشاهدة تلك اللافتات على محطات البنزين بعد أحداث سبتمبر 11 التي تعلن للجميع «نحن لا نبيع البترول السعودي» وما كان لها من تأثير نفسي عميق. من عاش خلال تلك الفترات يعرف معنى تلك الأحاسيس. الوضع بالنسبة للمهاجرين والأقليات للأسف لم يتحسن في عام 2008 بعد الأزمة الاقتصادية، فكثير من المجتمعات عندما تمر بظروف أمنية واقتصادية صعبة، تتجه لإلقاء اللوم على المهاجرين والأقليات والأجانب. وخير دليل على ذلك ما نشاهده هذه الأيام من ممارسات عنف ضد المهاجرين بالذات من أصول آسيوية منذ بداية جائحة الكورونا. ما يهون على المبتعث التجارب الصعبة والمعاناة هو تحقيق الحلم في الحصول على الشهادة والخبرة والعودة بقامة شامخة للأهل والمجتمع لبلوغ الهدف الأسمى وهو خدمة الوطن.
@almaiahmad2