يتداول المهتمون في علم الإدارة إستراتيجيات فعالة تُنسب لأحد أهم القادة الإداريين «جاك ويلش»، الرئيس التنفيذي لشركة جنرال إلكتريك بين الأعوام 1981-2001، فقد أنشأ خلال رئاسته نظاما قويا للمتابعة ربع السنوية لأهداف ومهام الموظفين، وتستخدمه معظم الشركات المتوسطة والكبيرة لليوم، فمن خلال مراقبته لسير العمليات الجارية في المؤسسة لاحظ أن موظفي الإدارات لم يقدموا سوى تحسينات تدريجية أو غير محورية خلال مقابلاته معهم، ووضعوا أهدافا سهلة كانوا على يقين من تحقيقها من خلال بذل الحد الأدنى من الجهد، وهذا ما يطلق عليه «قانون الحد الأدنى من الجهد»، ولقد اختبره معظمنا في إدارة أمور حياته، فعندما نحقق أهدافنا الرئيسية في مشروع ما نشعر بالارتياح تجاهه ولهذا فلا نبذل سوى الحد الأدنى من الجهد ليستمر كل شيء في العمل، ولا يقتصر هذا على مجال الأعمال وإنما ينطبق على مجالات متنوعة في حياتنا، كعنايتنا بأجسادنا وصحتنا، وعلاقاتنا الزوجية والعائلية، تحقيق الأهداف الفكرية أو الروحية، فنحن بدافع الخوف أو البقاء في منطقة الراحة، نعتمد على وضع الطيران الآلي لدينا حتى نتلقى جرس الإنذار، فنأكل وننام ميكانيكيا حتى يرسل جسمنا بعض الآلام كإشارات للتوقف، ونهمل شريك الحياة حتى تحدث الأزمة، ويمكننا ذكر العديد من الأمثلة في هذا الصدد وفي جميع مجالات حياتنا، حيث نجري تعديلات بسيطة وتغييرات طفيفة مثل الموظفين، لا تعدو أن تكون ضمادات طفيفة لا تؤدي لتطوير الأوضاع بشكل كبير، وفي الواقع ليس نقص الوقت أو افتقاد الطاقة أو وتيرة حياتنا المحمومة، هي السبب في ذلك، فقد يكون التفسير هو أننا نحاول المحافظة على ما أمضينا الكثير من الوقت في بنائه، والشعور الواهم بأنه ليست لدينا السعة الكافية للارتقاء به لمستوى أعلى، كما أن البعض يبدو مترددا وشاكا في جدوى التغيير الجذري، أو يفتقد رؤى مستقبلية منشودة، ولهذا ركز جاك ويلش على دراسة تساؤل بارز يعد من أحد الجوانب الأساسية في علم النفس البشري: «كيف نحفز الموظفين حتى يكون لديهم الدافع المستمر للابتكار والتجديد؟»، ولقد وجد الحل خلال رحلته لطوكيو ومقابلته لإيجي ميكاوا، رئيس الفرع الياباني لشركة جنرال إلكتريك، لقد انبهر ويلش بالتطورات السريعة، التي تحدث في هذا الفرع، والتي كانت أعلى بكثير من سائر الإدارات في شركة جنرال إلكتريك، حيث كشف له ميكاوا عن الأمر الذي ساعدهم في تقديم منتجات وتعديلات كانت تعتبر سابقًا جنونية، وكلمة السر هي «Shinkansen الشينكانسن أو قطار الطلقة»، وأصل هذه الطريقة المبتكرة في التفكير الياباني يعود لفترة ما بعد الحرب عام 1958، حيث طالبت الحكومة اليابانية من إدارة السكك الحديدية اليابانية إيجاد وسيلة سرعة قصوى للربط بين طوكيو وأوساوا، ولقد وضح ميكاوا أنه إذا كان الهدف زيادة سرعة القطار 10 كم فقط، فالإجراء المطلوب حينها هو إضافة عددٍ قليل من الأحصنة للمحرك، أما حين تكون المهمة بتغيير سرعته من 150 كم إلى 300 كم سيكون عليك التفكير خارج الصندوق تماما، وتبني نمط تفكير مختلف، ولقد أصبحت الشينكانسن مفهوما فلسفيا متبعا في إدارة التغيير في جميع المؤسسات اليابانية، وتأثر بها جاك ويلش للغاية، وأصر على تطبيقها في شركته، حيث طلب من الموظفين في جميع الإدارات إضافة «أهداف قطار الطلقة» إلى تقاريرهم ربع السنوية، وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية وراء تمكن شوكة جنرال إلكتريك من الحفاظ على قدرتها التنافسية والإبداعية، ويمكننا ترجمتها في إدارة حياتنا بالقول إنه إذا كان لديك هدف تعتقد أنه يمكنك تحقيقه خلال عشر سنوات، فإن أفضل إستراتيجية ليصبح واقعيا هي البحث عن كيفية تحقيقه في غضون عام.
@LamaAlghalayini