الفساد الذي يتفرع إلى مسميات كلها تصب في ذات النتيجة الفساد المالي والإداري والأخلاقي والمحسوبيات وانعدام الشفافية كلها تجعل من المتنفذين القلة متحكمين ومتسلطين على العامة، وعلى الشأن العام مما يترتب عليه الكثير من المشاكل، التي قد يتضح تأثيرها وسلبياتها بعد سنوات كالطبقية وانعدام الطبقة الوسطى، وتراجع كبير في قطاعات مهمة، ومشاكل آنية يمكن قياسها في أسواق التجارة والعمل والخدمات والتعليم، إنها تشمل كل الخطط، التي يعمل عليها المحسوبون على الدولة.
نحن نعيش هذه الأيام هاجس حرب قد تكبر عالميا، والكل ينتظر لحظة إطلاق روسيا صافرة انطلاق جيشها نحو الأراضي الأوكرانية، مع تأهب أمريكي أوروبي، وتأثر الأسواق العالمية بهذا الحدس الإعلامي، إذ يقف العالم منتظرا ساعة الصفر، التي قد تطلقها روسيا لغزو أوكرانيا، وبعيدا عن السياسة هذا الحدث إن وقع سيغير الكثير من «المتغير» الحاصل بعد أزمة الأوبئة لندخل في أزمة الحروب من جديد.
ولأن روسيا بلدة نفطية، فإن أكثر الأسواق، التي سيشملها التأثير هو سوق النفط ومصدروه ونحن المعنيين فيه كدول مصدرة، في الحقيقة تواجه أوبك مشكلة في حال لم يتم حل هذه المشكلة في القريب العاجل، وسوق النفط الذي يعاني من تقلبات متسارعة قد تخدم مصدريه حينا من الدهر، وقد تؤثر على مشاريعه، وقد تكون متذبذبة وتزيد الأمر سوءا.
بالمقابل، هناك اقتصاد للتو يريد الخروج من أزمة الركود، التي عصفت به على حين غرة لمدة ثلاثة أعوام، هو مهدد وقطاعاته بتدهور في حال الدخول في أزمة حرب مفاجأة.
فهل نحن وأسواقنا المحدودة مستعدون لدخول غمار أزمة اقتصادية في حالة الحرب؟
هنا يمكن لمقياس الفساد في كل دولة عربية أن يضع الإجابة الدقيقة لهذا السؤال، وهنا يكون أولى من التعايش مع الأزمات وتدويلها، أن نحرر الاستعمار الاقتصادي من أسواقنا ودولنا، ولنكون قادرين على معالجة الأزمة محليا.
ولكن.. كيف تؤثر تلك الأزمات على اقتصادنا؟
في كتابه «مفهوم الأزمة» يشرح المفكر الفرنسي موران مصطلح الأزمة قائلا، تأتي الأزمة هنا بغياب اليقين، عندما نتحدث عن أزمة، فنحن لا نعرف جيداً (ما هي الأزمة الاقتصادية)، أو ماذا سينتج عنها. وفق المفهوم السبيراني فإن الأزمة تعني وفق منطق الارتجاع السلبي، أن وسيلة الضبط لم تعد تعمل بطريقة صحيحة، وأن انحرافاً قد ظهر في سياق الأحداث والأمور. أما وفق منطق الارتجاع الإيجابي، فيمكن للانحراف إذا ما تطور أن يقود إلى تفكك النظام، ويمكن للانحراف الذي تسببه الأزمة أن يفسح المجال أمام تنظيم جديد قد يكون أفضل، تحوي الأزمة إمكانات سلبية (تراجع وتدمير) وإيجابية تمكّن بفضل الخيال الخلاق لإيجاد حلول جديدة.
لذا فإن الأزمة السابقة قد مهدت لإعادة ترسيخ مبادئ وأخلاقيات عمل، وتقنيات جديدة لمحاربة الاستعمار الاقتصادي ومواجهة الأزمات الجديدة.
@hana_maki00