لم يكن في حسبان الضيف أن الرز العنبر العراقي يحتاج إلى مهارة مسبقة في طبخه، ومن البديهي ألا تأتي الطبخة على ما يُتوقع، لو تعاملت معها أيدٍ غير مدرّبة. في اليوم تلاقى الرجلان وشكا الضيف من أن الرز جاء «علاكة» وغير مستساغ، فقال المضيّف:
- أنت قلت ارسل لنا رز عنبر، ولم تقل لنا نُرسل يديّ فلانة.
عن الرز العنبر المهبش. فقد كان فخر الإنتاج العراقي. ويقل تصديره بكميات تجارية، لأنه مطلوب محلياً عند عشائر العراق الثرية، وتتسابق عليه «المضافات»، وتحفة غذائية تحتفظ بها بيوت الأثرياء، وهو أيضا هدية مفضلة عند الأقطار المجاورة، وذروة عزّ ذاك النوع من الأرز في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الميلادي الماضي.
ولا بد من الإشارة إلى الرواية، التي تداولها الناس، والتي تقول إن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- كان في إحدى زياراته لمدينة عنيزة، ومدعواً لتناول الغداء عند إحدى الأسر، ولاحظ المضيّفون استحسان الملك عبدالعزيز لرائحة العنبر العراقي. وسمع بتلك الحظوة تاجران من أهل عنيزة يمارسان تجارتهما في البصرة، فأرسلا ثلاثة جمال كل منها يحمل أربعة أكياس (رز عنبر مهبّش أول باب). وكان ذلك قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية، والتحرك من بلد إلى آخر فيه مشقة، وكذا اختيار الطرق الآمنة. ووصلت «الحمولة» إلى الرياض وقصدوا قصر الشيوخ.
وأعتقد أن اختيار الرز والجِمال لم يكن يمثل تلك الصعوبة المتوقعة بقدر ما يمثلها اختيار «الجماميل» المسؤولين عن الحملة، الموثوقين، والعارفين، وحسني الاطلاع بالصحراء وطرقها في الظروف غير العادية.
ويقال عن الرز العنبر إن القادم إلى منزل يجري فيه طبخ رز عنبر لا يصعب عليه شم الرائحة عن بُعد، لكن طبخه يحتاج إلى دراية وملاحظة.
@A_Althukair