المدينة كيان حي ينمو ويتطور... نواته الأساسية هي المجتمع وثقافته وظاهره المادي هو كل ما ينتجه المجتمع ويقبل به ليمثل ثقافته. وكما تختلف الكائنات الحية بتغير كروموسومات بداخل النواة، فإن المدينة تتغير بتغير المجتمع وثقافته. هكذا بدأ التغيير في مدينة الدمام، وبدأت الثقافة تتغير مؤثرة بأصغر مكونات المجتمع وهم الأطفال. فعندما تحسنت الأوضاع المادية للمهاجرين إلى مدينة الدمام، قرروا جماعيا الاستقرار وشراء مسكن وتكوين مجتمع مترابط، ولذلك كان شراؤهم للأراضي في حي العدامة وتسميتها بالشعيبة تصغيرا لحي الشعبة في الأحساء ولجذب المجتمع إليها، ولا يزال اسم الشعيبة حاضرا ومستخدما لكل مَن عاش فيها. كان الأطفال في الشعيبة يبدأون نهارهم بسماع صوت صفارة (ورشة الزاهد للمعدات)، فينهضون للذهاب إلى المدرسة وبعد العودة من المدرسة تساعد الفتيات والداتهن في وضع الطعام بقاعة الطعام إذ يفرشون (السماط) ويضعون طبقا واحدا كبيرا يأكل منه جميع أفراد الأسرة بأيديهم، ثم يأخذ أفراد الأسرة جميعهم قيلولة ما بعد الغداء لمدة ساعة تقريبا في قاعة الطعام، وبعد الاستيقاظ يخرج الأطفال إلى الحارة يلعبون بالرمل ويتبادلون القصص، وعند المغرب يعود الأطفال إلى منازلهم للدراسة ثم النوم ليبدأوا اليوم الجديد، وأحيانا يخرج الأطفال من منازلهم عند سماعهم أصوات البياعة في الطريق، إذ كان العديد من البياعة يمشون في حارة الشعيبة وينادون إما لشراء (سحاحير الطماط) الفارغة أو لبيع اللوز كأن يقول البائع (....ياللوز..... يالرويد)، وكان نمط الأسرة منذ انتقالهم إلى الشعيبة استهلاكيا. كما وكان أيضا دخول أجهزة التكنولوجيا الحديثة وقتها على المسكن يتم بشكل تدريجي أيضا، ولم يكن التصميم الأساسي للمسكن يستوعبها أو حتى السكان أنفسهم إذ كانوا في مرحلة بناء خبرتهم ومتطلباتهم في مرحلة التحديث الانتقالية ما بين التقليدية والحداثة. يتضح ذلك من بساطة بناء المسكن وتمديد الكهرباء الظاهرة فيه، التي كانت تعدل بحسب الحاجة، كما كان يتبع مع الأجهزة التكنولوجية، التي أيضا تضاف بحسب الحاجة، كفتحات مكيف الهواء في الدهريز. كانت ردود الفعل تجاه الثقافة المغايرة لثقافة المجتمع متفاوتة، فمنهم مَن كان رافضا لدخول التلفاز للمسكن لأنه ومن وجهة نظره يروج لثقافة غربية، ولم يدخل التلفاز إلا في المرحلة التالية، وهي الانتقال إلى حي الجلوية. وقد تأثر أطفال الشعيبة بالأفلام المصرية والقصور الفارهة، التي كانت تعرض في أفلامها، وبعادات تقاليد مختلفة عنهم، كما وذكرت أخرى أن أطفال الشعيبة (أطفال الستينيات) استنكروا ما كانوا يرونه من سكان عمارات شركة سافكو أو ما كانوا يسمونها (عمارة الأمريكان) فكانوا يرفضون قيم الثقافة الغربية وممارساتها، التي كانت مخالفة للقيم الإسلامية، إذ إن سطح عمارات سافكو، الذي احتوى على برك السباحة كان مكشوفا وواضحا من أسطح مساكن الأطفال، حيث كانوا يلعبون، ومنذ هذه الفترة بدأت القيم الاحتكاك مع ثقافة أخرى. إن دخول التكنولوجيا بدأ في فترة السكن بحي الدواسر، ثم تطورت في فترة استقرار المجتمع في الشعيبة. وكان ذلك سببا رئيسيا في بداية نقد المجتمع للمساكن من حيث قدرتها على استيعاب الحديث من الأثاث أو التكنولوجيا، فكان دخول مكيفات الهواء تدريجيا لفراغات المسكن، وكذلك الثلاجة والغسالة، التي لم يكن المطبخ يتسع لهما. وبدأت نظرة المجتمع وتطلعاته للأفضل، وبالتالي تغيرت قناعة الساكنين عن مسكنهم، فكانت ثقافة التحديث والتجديد تشيع وتتردد في المجتمع عامة، ومع التحسنات المادية المتاحة حينها قرر المجتمع الهجرة الجماعية التدريجية منذ نهاية السبعينيات إلى الأحياء الجديدة، التي بدأ معها المجتمع مرحلة جديدة.
إنستجرام: Dr_fatima_Alreda