[email protected]
سمّى النقاد العرب القدماء العلاقة المعهودة بين الظاهرة الفنية والموضوعية في القصيدة بأنها «الشكل والمضمون»، وهي تسمية صائبة، ذلك أن القيم الملموسة للشعر هي المحددة لتلك الظاهرة، وبالتالي فإن الناقد بمقدوره استكشاف مضمون الصور في الشكل، فيقف على أي قصور من جانب، كما بمقدوره الوقوف على مواطن الجمال في القصيدة من جانب آخر، ورغم ذلك فإن صاحب القصيدة لا ينحصر خياله في موقف يتمتع بأبعاد معينة ومتميزة، بل يتخطى ذلك إلى ما يسمى بفنية الشعر، إن جاز القول، فتكون الصورة الشعرية واضحة في عمله، إلا أن تلك الصورة في واقع الأمر قد تفقد قيمتها الفنية إن لم يحدد الشاعر موقفه المتميز حيال ما يعالجه فيها، فالرؤية الشعرية من هذا المنطلق تتكشف بكل أبعادها في تكثيف الموقف بطريقة واعية وناضجة، بالاعتماد الكلي على فكرة الصورة وتجسيمها إلى إحساسات فنية صادقة.
وهذا يعني أن الفكرة في حد ذاتها لابد من خدمتها للموقف الشعري بشكل إنساني جماعي لا فردي، وقد أعجب النقاد القدامى بمواقف شعرية متعددة، طرح أصحابها من خلالها أزمات إنسانية بعيدة تمامًا عن الذاتية، وتكاد تكون قريبة من القضايا الفلسفية الصرفة، فالرؤية الشعرية لها علاقة جذرية ومباشرة بتجربة الشاعر وفقًا لثقافته وقدرته على تصوير معالجاته، وتكمن تلك الرؤية بجلاء في قصائد الوصف على سبيل المثال، حيث يوظف الشاعر ذكاءه وفطنته فيقدم للمتلقي قالبًا شعريًا يذيله بقفلات أخّاذة وبديعة، وقد عُرف هذا القالب في الشعر القديم بأنه «بيت القصيد»، ويتمتع عادة بالتوازن المنشود بين المظاهر الخارجية المشهودة وبين المواقف الشعرية المحسوسة، وهو أمر يدفع للقول إن قياس الرؤية العميقة في القصيدة استنادًا إلى معايير صورها له ارتباط وثيق بقدرة تلك الرؤية على محاكاة التجارب ذات الإسهام المباشر بتوضيح مقاصد الشاعر ومعاناته.
[email protected]
[email protected]