ويضيف لوران في تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء: إن النبأ السار بالنسبة إلى أوروبا هو أنه في حين لم يكن للاتحاد الأوروبي حضور واضح ولا صوت مسموع، ولم يستطع أن يحجز لنفسه مقعدا على مائدة روسيا والولايات المتحدة في هذه الأزمة، ساعدت الدبلوماسية المكوكية لكل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولف شولتس، في تشكيل موقف غربي موحد لردع روسيا من خلال العقوبات ودعم أوكرانيا.
ضغط أمريكي
وبالطبع فإن الضغط الأمريكي على روسيا يتواصل، وبريطانيا تعهدت بوقف تدفق الأموال القذرة من روسيا، لكن رغبة فرنسا وألمانيا في تبني موقف أشد صرامة بعد سنوات من الحوار أحادي الجانب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تمثل تحولا مهما في الموقف الأوروبي.
وفي حوار مع صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، قال وزير خارجية فرنسا جان إيف لو دريان: «إن بوتين حاول خلق حالة انقسام بيننا، لكن المحاولة فشلت ولم يحدث الانقسام».
ويقول لوران المتخصص في الشؤون الأوروبية، إن هذا التطور على الصعيد الأوروبي لا يأتي على هوى بوتين، حتى وإن كان يستمتع الآن بحالة الغموض والارتباك التي خلقها في المنطقة. فالاتحاد الأوروبي صاحب المواقف الحاسمة والطموحة، رغم استمرار إيمانه بالحلول الدبلوماسية للأزمة الحالية، سيجعل من الصعب على الرئيس الروسي إثارة المزيد من الفوضى.
ويقول إميلي زيما الأستاذ في جامعة باريس 2، إن المظلومية البالية للرئيس بوتين بشأن تمدد حلف شمال الأطلسي (ناتو) نحو ما كان فناء خلفيا لروسيا في عصر الحرب الباردة، خلقت ما يعرف باسم «لحظة راشمون»، التي تشير إلى تأثير الذاتية في إدراك الأحداث، بعيدا عن البيانات الصادرة في 1990، وأخفت الدور المركزي الذي لعبه الاتحاد الأوروبي الذي أزعجت جاذبيته لدول شرق أوروبا الرئيس الروسي.
ثقل أوروبي
في المقابل، فإن التوازن الذي تبنته أوكرانيا على مدى العقود الماضية بين كل من روسيا والغرب أكد ذلك؛ ففي عام 2013 فجر رفض كييف الأولي لاتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي (دون الانضمام إليه) احتجاجات سياسية في البلاد، وقامت روسيا بالاستيلاء على إقليم القرم الأوكراني، ونشب صراع أهلي في إقليم دونباس.
ومع ذلك يمكن القول إن الثقل الاقتصادي الذي لا نقاش فيه للاتحاد الأوروبي لا تقابله قوة عسكرية موازية، خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، كما أنه لا يستطيع الجمع بين التوسع الأفقي لحدوده وتعميق التكامل بين الدول الأعضاء في ظل الخلافات الداخلية حول عراقيل الديمقراطية والتزامات حلف الناتو. وكانت النتيجة أن الاتحاد يبدو ضعيفا عندما يضغط عليه أمثال بوتين، كما ظهر في استخدام تكتيكات «الحرب الهجين» في أزمتي بيلاروس وأوكرانيا.
ويحذر ليونيل لوران من أنه في حين تتحول لحظات الخوف الشديد إلى جرس تنبيه، فإن هناك ميلا إلى الإغفاء مجددا بعد مرور هذه اللحظات، فالاعتماد المتزايد لألمانيا على الغاز الروسي يبدو أمرا خطيرا منذ نحو عقد، وحتى اليوم تعارض ألمانيا محاولات فرنسا تشجيع الطاقة النووية باعتبارها جزءا من عملية تنويع مصادر الطاقة في أوروبا، وعلى الصعيد العسكري، اتفقت دول الاتحاد الأوروبي في عام 1999 على تكوين قوة عسكرية أوروبية مشتركة. لكن هذه القوة لم تنتشر حتى اليوم.
مجموعة مخاطر
وقبل أيام تبنى البرلمان الأوروبي تقريرين حددا مجموعة واسعة من المخاطر التي تواجه الاتحاد الأوروبي، ومنها التغير المناخي والهجمات الإلكترونية والهجمات الفضائية والصراعات الحدودية، وطالب البرلمان الاتحاد بالحديث «بصوت واحد» من خلال الاستثمار في مشروعات عسكرية مشتركة، وتسريع عملية صناعة القرار في قضايا السياسة الخارجية من خلال تقليص قدرة دولة واحدة عضو في الاتحاد على عرقلة صدور قرارات تؤثر في كل دول الاتحاد.
إذن، ورغم أن هذه المرحلة من الوحدة الأوروبية جيدة ومرحب بها، فإنها ستحتاج إلى المزيد من العمل الجاد لكي تتم ترجمتها إلى شيء أكثر استدامة. وفي وقت يتطلع فيه الاتحاد الأوروبي إلى «استقلال ذاتي إستراتيجي» في كل شيء من أشباه الموصلات إلى تكنولوجيا الفضاء، ما زال يواجه انتقادات بسبب عدم قدرته على تحقيق هذا الهدف.
الرئيس بوتين
من جهته، قال مستشار الرئيس الأوكراني، ميخايلو بودولاك، لشبكة «سي إن إن» الإخبارية الأمريكية، أمس الأول السبت، إن من المستحيل القول على وجه اليقين ما يدور بالضبط في ذهن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وجاءت تصريحات بودولاك تعليقا على ما أعلنه الرئيس الأمريكي جو بايدن، بأنه مقتنع أن بوتين قد اتخذ قرار غزو أوكرانيا.
وأضاف بودولاك: «يستند موقف بايدن، بلا شك، إلى معلومات من الاستخبارات، والمسألة لا تتعلق بالموافقة أو عدم الموافقة على تلك التصريحات، لكن يجب الانتباه إلى المعنى الأكثر أهمية في كلمات بايدن بأن هناك فرصة للدبلوماسية»، وتابع: «سنستغل هذه الفرصة».
وقال مسؤول أوكراني آخر لـ «سي إن إن»: إن «الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لا يزال يخطط للسفر إلى ميونيخ لحضور المؤتمر الأمني في ألمانيا والعودة في اليوم نفسه»، لكنه أضاف أن «الوضع الأمني سيعاد تقييمه».