[email protected]
أظن أن نقاد الأدب، لاسيما في مساره الشعري بعصرنا، الحديث أدركوا تمامًا ماهية الشكل والمضمون في تشكيل الصورة المحددة داخل القصيدة، وأدركوا أبعادها، بمعنى أنهم فهموا جوانب الحقائق الفنية كما رسمها الشعراء في أعمالهم محاكاة للعواطف والطبيعة والحياة، وهي محاكاة لا تقف حدودها عند نقل الوقائع فحسب، بل تتعدى ذلك إلى محاولة تحويل مجريات إرهاصاتهم إلى أصداء لتلك الوقائع، وهو معيار يراه بعض النقاد من زاوية ربما تحمل اختلافًا، حيث يذهبون إلى أن طائفة من الشعراء قد يعمدون إلى تفكيك تماسك البناء الشعري، ثم يعيدون بناءه من جديد حسب مرئياتهم المختلفة، ولا يُشترط في هذه الحالة أن تغدو صورة المكان داخل القصيدة مكتملة التكوين أو واضحة المعالم إلا أن الفكرة المتماوجة في تضاعيفها لا تقف عند حدود رؤيتها بالعين المجردة، بل قد تتجاوز ذلك إلى تخيُّلات وتصوُّرات يحددها الشاعر في قصيدته.
ومعيار الشكل والمضمون يبدو جليًا في رؤى شعرية متعددة، لاسيما تلك المستمدة من معاناة الشاعر لظروفٍ حياتيةٍ كالمرض أو الفقر أو الحزن وسواها، حيث يبدو ذلك المعيار مرتبطًا بصورةٍ واضحةٍ بالحالة المسيطرة على الشاعر، وحينئذ نقول إن هذه القصيدة أو تلك تحاكي الواقع، بمعنى أن العلاقة بينها وبين تلك المحاكاة قد تصل إلى التشابه في كثير من الحالات، ومن أهم المعايير المعروفة في الصور الشعرية الكشف عن انفعالات الشاعر نقلًا لصورة واقعية مرئية، حيث يمكنها التحرر من التعميم والانغماس في رؤية تتسم في مضامينها بعُمق الرؤية الموائمة لتجارب الشاعر التي قد لا تنبعث من التأمل وحده، بل من عوالم نفسية متعددة، فلابد إذًا من تحرّر الشعر من «اللا شعر»، إن جاز القول، بمعنى عدم ارتباطه بكلام واهن وهيّن يخلو من روح الشعر، حيث يعمد أصحابه لنقل الحقائق وفقًا لما تُمليه أحاسيسهم السطحية، وهو كلام يعطل الانفعال به تمامًا ولا يمكن أن يسميه شعرًا.
[email protected]
[email protected]