فقد استوعبت رؤاه تفاصيل التطوير ورغبات التجدّد والتوازي بين الفني والفكري والإنساني والتجاري، عندما استطاعت هذه الفلسفة الصمود في وجه النقاد بالإبداع المستشرف لعصر التكنولوجيا والتوازن بين القواعد الفنية والمؤثرات التقنية والتفاعلات النفسية والاجتماعية.
فقد حوّل غراهام الفيديو آرت إلى فن له قواعده التركيبية والفنية، التي احتضنت المتلقي وانتقلت به من متابع إلى مشارك ومراقب له حسيّاته وانفعالاته وأداؤه، وبالتالي من مستغرب لحالة الفن المعاصر إلى مشارك فيها، خاصة أنه قد وظّف ميكانيزمات جديدة في التعامل مع الفنون المعاصرة، ومنها الأداء والتركيب والتجاوب التلقائي.
فإذا ما اعتبرنا نام جون بايك مؤسّس الفيديو آرت، فإن دان غراهام هو المجدّد الذي اخترق المساحات الضيقة واللامعقولة في حدود الفضاءات المبتكرة للفيديو آرت، فقد كان طيلة أكثرمن 50 عاما مع كل تطوّر ويتجادل مع كل فكرة استطاع أن يخلق صلة بين لغة الجسد والصورة والحركة، فمن خلال انعكاس الجسد الواحد على المرايا حاول قراءة عدّة أجساد باختلاف حركاتها وتشابهاتها، وبالتالي اعتبر تلك المرايا منافذ شفافة تعبّر عن التلقائية.
إن الصور المنعكسة على المرايا، التي تتمازج بين الظلال استطاع غراهام أن يفكّكها فنيا لقياس فقدان الذات على الزجاج الشفاف لتحويل الانفعالات إلى رموز فنية وإعادة اكتشافها في بنية الوعي الذاتي، وهو الأسلوب الذي تميّز به غراهام وأثّر فيه على بقية صانعي الفيديو آرت في العالم من خلال العديد من التجارب نذكر من بينها التجربة السعودية، التي استطاعت أن تحمل تفاصيل التعبيرية في ارتكازها على الفكرة الوجودية، التي تعاملت فيها مع الأداء بتصنيفات التأثر عن طريق الانعكاس سواء على الماء أو الصورة نفسها أو المشاركة الداخلية في ضبط الحالة باعتبار أن تجربته تقع على فلسفية حسيّة تبدأ من الفرد لتصل بينه وبين المجموعة.
إن تجربة دان غراهام عميقة في طرحها الفكري والفلسفي والإنساني استطاعت أن تحفر مكانها في تاريخ الفن كما يقول غراهام نفسه «الشيء الفني هو ما هو عليه لاحقًا في التاريخ، وليس في الوقت الحالي، الذي تم تصوره فيه لأول مرة».
@yousifalharbi