[email protected]
الصورة في القصيدة، كما هو معروف، تخضع في مضامينها لمؤثرات خاصة متمخضة في الأصل من عوامل نفسية ترسم للشاعر إبداعه وفقًا لدوافعه المرتبطة جذريًا بتداعي معانيه وأخيلته، وهو تداعٍ قد يتصل بمنهج لا شعوري يمثل الدوافع الأساسية للإبداع، فالدافع التعويضي الذي يسمى أحيانًا بالاستبدال يعني ميل الشاعر لاستخدام أسلوب يتوافق ضمنًا مع العرف الاجتماعي المحيط ببيئته، ونجد هذا الاستبدال واضحًا في أشعار قيس بن الملوح على سبيل المثال لا الحصر، فقد استعاض عن حرمانه من ليلاه بوصفه الدقيق للطبيعة، فهو يتداوى بهذا الوصف، لاسيما وصفه الظباء؛ لأنه حُرم من محبوبته، أما استخدام الرمز في القصيدة فقد يتناغم مع الصفة الإيحائية للصورة بالوقوف على مدركات الأشياء، فالرمزيون عادة يحيطون معانيهم بأجواء نفسية مصحوبة بانفعالاتهم الشعورية الداخلية.
أما الرمز الأسطوري فيمثل قالبًا يمور بأحداث ذات ارتباط بنشأة المجتمعات قد تميل إلى استخدام الخرافات القابلة للصحة أحيانًا والقابلة للخيال في معظم الحالات، غير أن استخدام هذا النوع من الرمز يجنح إلى حقائق ثابتة، حينما تكون له قيمة تاريخية معينة فيجتمع الموقفان التاريخي والإبداعي في هذه القصيدة أو تلك، فالصورة في القصيدة، سواء استخدم الشاعر فيها النهج الاستبدالي أو الرمزي حظيت بوعي نقدي ظاهر في أدبنا العربي المعاصر والقديم أيضًا، وها هو الجرجاني يشير إلى ذلك حينما يقول إن «الاستعارة تعطيك كثيرًا من المعاني في كثير من الموضوعات باليسير من اللفظ حتى تجني من الصدفة الواحدة عدة درر، وتجني من الغصن أنواعًا من الثمر، ومن الرائع أن ترى فيها الجماد حيًا، والأعجمي فصيحًا، والمعاني الخفية بادية جلية، فإن شئت وجدت المعاني اللطيفة التي هي من خبايا العقل قد جسمت حتى رأتها العيون، وإن شئت لاختفت الأوصاف الجسمانية حتى تعود روحانية لا تنالها إلا الظنون».