تُعدُّ الحرب الباردة صراعًا امتد في القرن العشرين بين الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفياتي، وحلفائهم حول القضايا السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والتي وُصفت في كثير من الأحيان بأنّها صراع بين الرأسمالية، والشيوعية، ولقد ظلت أوروبا طوال قرون من الزمن مسرحًا للحروب والتقتيل والتدمير بين دولها وإمبراطورياتها ودوقياتها وكياناتها المختلفة. وتعبّر الحرب الباردة عن فترة من التوتر الاقتصادي، والسياسي، والعسكري، بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بين عامي 1945 و1991م، وذلك بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عند نشوء تعقيدات تركز على تحوّل السلطة الدولية، حيث أراد الاتحاد السوفيتي الحصول على أراضٍ إضافية، وفي المقابل حاولت الولايات المتحدة الحد من المكاسب التي يريدها السوفييتيون، وأسفرت معركة الأيديولوجيات هذه عن زيادة التوتر الدبلوماسي، والحروب التفويضية بين الدولتين، واستمرت حقبة الحرب الباردة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991.
وشهدت هذه الحرب أزمات كادت تحوِّلها إلى حرب نووية ساخنة تهدد البشرية. ومن أبرزها أزمة جدار برلين 1961 فما زالت ارتدادات انهيار جدار برلين تتردد في أرجاء القارة الأوروبية وفي علاقات القوى الكبرى، وربما كان الصراع الحالي على أوكرانيا أحد أبرز هذه الارتدادات حتى بعد مرور ثلاثين عامًا على ما يمكن اعتباره النهاية الرسمية للحرب الباردة. لكن مع انهيار الاتحاد السوفييتي مطلع العقد الأخير من القرن الماضي، عرفت الحرب الباردة رسميًا وفعليًا نهايتها. إلا أن العالم ما فتئ لا سيما خلال الفترة الأخيرة، يشهد توترًا متزايدًا بين روسيا والولايات المتحدة، ما أعاد للأذهان أجواء الحرب الباردة. فقبل ثلاثة عقود خلت، وضعت الحرب الباردة أوزارها، أو هكذا تراءى للعالم. وإبان انهيار الاتحاد السوفييتي، انشغل الأمريكيون بمصير منظوماتهم التسليحية الإستراتيجية، وفي هذه الأثناء، ظل تعاظم فجوة الثقة كفيلًا بإبقاء الباب مواربًا أمام حرب باردة جديدة ثلاثية بين واشنطن، وكل من موسكو وبكين، حيث يسعى الأمريكيون إلى عرقلة الصعود المقلق للصين وروسيا، والحيلولة دون حدوث تحالف إستراتيجي بينهما، وتشتد بين ثلاثتهم وطأة الحروب التجارية والسيبرانية، وخلال ذلك تتخذ واشنطن من الوضع الملتهب في تايوان وأوكرانيا، ذريعة لاستدراج بكين وموسكو لمواجهات استنزافية.
أوكرانيا شكّلت نقطة السخونة خلال الحرب الباردة بين روسيا والغرب. ويرى بوتين أن واشنطن تستخدم الحكومة الأوكرانية الحالية كوكيل للمصالح الأمريكية والغربية، ونقطة انطلاق لزعزعة أمن بلاده واستقرارها. كما ينظر إلى الناتو على أنه أداة للاحتفاظ بهدف الحرب الباردة المتمثل في احتواء روسيا. وعندما أدرك بوتين أن أوكرانيا أصبحت على أهبة الاستعداد للانضمام إلى الناتو لتصبح نقطة انطلاق للولايات المتحدة لزعزعة استقرار نظامه، بادر بشن الهجوم على أوكرانيا، بعد يأسه من مماطلات أمريكا وأوروبا لسحب قواعدها العسكرية من الدول المجاورة لروسيا.
@HindAlahmed