التباهي وتقليد الآخرين بات سمة من سمات العصر الحديث في كل معطيات الحياة، هناك مَن يحرص في زياراته للمطاعم أو المواقع السياحية، على تصوير وجباته الخاصة وقهوته التي يشربها، وأغراضه الشخصية وممتلكاته ويهدف من ذلك الحفاظ على الذكريات، التي سوف يتذكرها في وقت لاحق ويستعرضها، وهناك مَن يقوم بعملية التصوير لكل ما يخصه من أشياء وأعمال وأحداث يومية ولحظات وينشرها ويستعرض بها على مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف التباهي والتفاخر وإغاظة الآخرين، هناك فرق بين الصورتين، وفي ظل هذه الصور والمقاطع التي تنتشر في مختلف الحسابات ويتم تناقلها بشكل واسع على شبكات البرامج المختلفة، يشاهدها مختلف المتابعين، من الرجال والنساء، ومنهم مَن يحاول عملية التقليد والمقارنة لهؤلاء، ومثل هذه الأنماط السلوكية تكون أكثر تأثيراً على النساء أكثر من شريحة الرجال، فتحدث المشاكل الأسرية لعدم قدرة رب الأسرة على توفير ما تحتاج إليه زوجته أو بناته أو أولاده، وهناك من أولياء الأمور مَن يلجأ إلى استدانة الأموال من أجل إرضاء أفراد أسرته ويرهق نفسه ويربكها. يحدثني أحد الأصدقاء أن شخصاً موظفاً وذا دخل محدود، ولديه أسرة مطمئنة ومقتنعة بما هي عليه من وسائل معيشية ومتكيفة مع ظروفها، ويقدم لها عائلها ما يستطيع تقديمه في مختلف متطلبات الحياة، ولكن في ظل ما يملك من مقومات، وفي يوم من الأيام وكما يقول ولي الأمر: حدث ما لم يكن بالحسبان، إذ يصلني اتصال من المحكمة للحضور، وبعد حضوري لدى الدائرة المعنية، وجدت امرأة جالسة على كرسي أمام مكتب القاضي، وسألت رجل الأمن الموجود ما هي القضية، ومَن خصمي. فقال لي: هذه المرأة الجالسة التي أمامك زوجتك، تبلد فكري من هول الصدمة؛ لأنني لا أذكر شيئاً سيئاً بيني وبينها، فقلت لها ما الأمر، قالت له: تعرف عند القاضي، وعندما دخلنا عنده، تحدث عن أمور كثيرة، بأنني مقصر بكل شيء من الأكل والشرب والنفقة، وعدم الذهاب بها إلى المطاعم والسياحة والسفر، فهو في حديثه يبني على مقدار المعلومات، التي بلغته زوجتي بذلك، دافعت عن نفسي وذكرت أنني مهتم جداً، وقدمت كل ما يليق ببيت الزوجية ووفرت كل متطلبات الأسرة على حسب مقدرتي، وأخبرت القاضي بأنني هذا العام تسلفت مبلغاً كبيراً، وسافرت مع أسرتي إلى بلد سياحي، وجلسنا مدة كافية، وفي فترات متفاوتة نذهب للمطاعم وغيرها، وهذا ما أستطيع، لكن إذا هي بحاجة إلى أكثر من ذلك فلا توجد لدي القدرة، وبما أن الأمر وصل لهذه الدرجة، فهي طالق بالثلاث، مقارنة الآخرين وتقليدهم هدمت بيت هذه الأسرة وفرقت شملهم، وضيعت الأبناء، وسمعت ضيفا في أحد البرامج الإذاعية يقول: إن أعلى نسبة من المساجين من الشباب من أبناء المطلقين، كما حدثني شاب يعمل في أحد المقاهي متعجباً، يقول جاءت خمس نساء وطلبن كيك وعصيرات بمبلغ ستمائة ريال، وبعد قليل طلبن مرة أخرى بمبلغ مائتي ريال، وما هي إلا عدد من الدقائق يذهبن من المكان بعدما قمن بعملية التصوير، فذهب العامل للطاولة وعاد لي مسرعاً مستغرباً، يقول: وجدت كل الطلب على الطاولة، تم تناول القليل منه، فأين اذهب به، من المعروف مكانه القمامة، مَن قام بهذا السلوك فهو يقلد الآخرين ويعمل مقارنة معهم، المقارنات الفقر القادم.
@alnems4411