[email protected]
لقد احتلت الشخصية الشريرة في الأدب المسرحي مكانًا أساسيًا، ولعلها لا تقل أهمية عن بقية الشخصيات المسرحية الأخرى، فها هو شوقي في مسرحيته الشهيرة «مجنون ليلى» يطرح شخصية شريرة تتمثل في شخص «منازل»، هذا الذي ينازل قيسًا في حب ليلى، ولكنه نزاع غير شريف، فهذه الشخصية تحمل الكراهية والحقد والحسد، فتصم قيسًا بالجنون والهذيان، ثم تثير الحي كله عليه، وفي مسرحية شوقي «علي بك الكبير»، تبرز عدة شخصيات شريرة مثل محمد بك أبي الذهب الذي تربى وترعرع في قصر علي بك الكبير، فإذا به عندما اشتد عوده يحاربه ويناصبه العداء، ومثل شخصية مراد بك الذي يتعاون مع أبي الذهب في التآمر على علي بك، ومثل «رزق» الذي تربى وعاش هو الآخر في كنف علي بك، ولكنه ينقلب عليه فجأة ويتآمر مع أعدائه، غير أن هذه الشخصيات الشريرة في مسرحيات شوقي تختلف تمامًا في مسرحيات توفيق الحكيم، فهي عند الحكيم تنحو إلى «التعادلية» ويصف هذا المنحى فيقول: «أنا لم أبرز قط أشخاصًا ينتمون إلى الخير المطلق أو إلى الشر المطلق، فأنا أرفض هذه الفكرة، ورفضتها دائمًا في كل ما كتبت» إلى أن يقول: «الإنسان عندي قيمة ثابتة، تلحق به أحوال متغيّرة من الخير والشر والصحة والمرض، وأن مَن يأتي عملًا يضر بالغير، يستطيع أن يأتي عملًا ينفع الغير، وهو لذلك ليس خيرًا ولا شريرًا، ولا صحيحًا ولا مريضًا في أحواله العادية، إنما هو موضع تتعادل فيه وتتوازن هذه الحالات المختلفة المتغيرة».
هذه «التعادلية»، التي تحدث عنها الحكيم، لا نجدها ماثلة في كثير من أعماله المسرحية، فهو في مسرحيته «نحو حياة أفضل» يستخدم الشيطان وهو شر مطلق، بل نراه يستخدم بشرًا أشرارًا في مسرحيات أخرى، ولو انتقلنا إلى كاتب مسرحي آخر مثل «محمود تيمور» لوجدنا أنه استخدم شخصياته الشريرة، ربما بطريقة مغايرة، فنلاحظ في مسرحياته التاريخية أنه اتخذ مواقف «اتباعية» هي أقرب إلى المفاهيم الأرسطية للمأساة، كما هو الحال في مسرحيته «حواء الخالدة» أو في مسرحيته «طارق الأندلس»، على الرغم من استعانته بالرموز «الشيطانية»، كما هو الحال في ملهاته الشهيرة «أشطر من إبليس»، ولعل مَن بحث عن شخصيات شريرة جديدة على المسرح العربي هو علي أحمد باكثير من خلال مسرحيته «شيلوك الجديد»، حيث يحاول فيها أن يصب الخطوط الأساسية للقضية الفلسطينية في الحبكة الشكسبيرية المعروفة، غير أنه أدرك بعد مسرحيته هذه أن هذه الحبكة لا تستوعب تجربته، فتناول الشخصية الصهيونية «الشريرة» بطريقة أفضل من خلال مسرحيته «إله إسرائيل والملكة إيلات».