وعن التحالف، قال جميح: إن الضربات العسكرية التي يوجهها تحالف دعم الشرعية ضد الحوثي تحمل رسالة للميليشيا، مفادها «أن فرض إرادتهم العسكرية على اليمنيين مستحيل»، مشددا على ضرورة إجماع عربي لهزيمة المشروع الإيراني علاوة على وحدة اليمنيين، مشيرا إلى أن الانقلابيين يعتبرون خنجرا في خاصرة العرب الجنوبية وعلى المنطقة برمتها.. وفيما يلي نص الحوار..
- ماذا يعني قرار مجلس الأمن بإعلان الحوثي جماعة إرهابية، وأثره على الصراع في اليمن؟
القرار الجديد لمجلس الأمن الدولي وصف أعمال الحوثيين أنها «إرهابية»، ووصف الجماعة في إحدى فقراته بالإرهاب.
وأحيا فقرة من القرار 2216 تحظر توريد السلاح لهم.
القرار وإن لم يصل إلى درجة تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية بشكل كلي، فإنه توسع في حظر توريد الأسلحة لهم، وأطلق عليهم وللمرة الأولى تسمية إرهابية، وهذا يعني أن صورة الحوثيين التي حاولوا إيصالها عبر الإعلام الإيراني، هذه الصورة بدأت تتفكك، لتحل محلها صورتهم الحقيقية لدى الرأي العام في اليمن وخارجه.
والتوصيف خطوة مهمة باتجاه التصنيف، والمهم أن القرار أكد حقيقة الحوثيين التي يحاولون إخفاءها؛ وهي أنهم جماعة قامت بأعمال إرهابية ضد المدنيين والأعيان المدنية في اليمن والسعودية والإمارات.
من ناحية دبلوماسية فهذا إنجاز، لكنه لن يحقق قيمة على الأرض ما لم تكن هناك آليات صارمة لتنفيذ مواده، وخاصة فيما يتعلق بتهريب السلاح، والتزام الدول المعنية بضرورة مكافحة تهريب السلاح للحوثيين.
- تؤكد المملكة دائما على ضرورة أن يلبي الحل السياسي للأزمة اليمنية طموحات الشعب الشقيق عبر إنفاذ إرادته الحرة، كيف تنظرون إلى الدور السعودي تجاه بلادكم في أزمتها؟
في 2011، سعت المملكة إلى حل يخرج اليمنيين من الانقسام السياسي والمجتمعي الذي نشأ بعد الانتفاضات التي شهدتها صنعاء وغيرها ضد نظام الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، وكان هناك مقترح يقوم بموجبه الرئيس السابق بتسليم السلطة لنائبه، وطور هذا المقترح إلى ما بات يعرف بـ«المبادرة الخليجية»، التي قدمت باسم دول مجلس التعاون، وتم اعتمادها لاحقا من طرف الجامعة العربية والأمم المتحدة، وتم التوقيع عليها من قبل الرئيس السابق من جهة، وقيادات أحزاب المعارضة من جهة أخرى.
وجاءت الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، وذهب اليمنيون لحوار سياسي في مؤتمر الحوار الوطني الشامل برعاية الأمم المتحدة ورعاة الحل السياسي، وتم الاتفاق على تشكيل حكومة مناصفة بين السلطة والمعارضة، وكان اليمن حينها قاب قوسين أو أدنى من الخروج من الأزمة، إذ هدأ الشارع، ولم يبق إلا الاستفتاء على الدستور الجديد، ثم الذهاب لانتخابات.
لكن الحوثيين في اليوم الذي انتهى فيه مؤتمر الحوار انقلبوا على نتائجه التي وافقوا عليها، وفجروا الحرب، ومنذ ذلك اليوم والمجتمع الدولي وجيران اليمن وعلى رأسهم السعودية يحاولون إعادة الأطراف المختلفة للحل السياسي، وهو ما يقابل بتعنت حوثي بات معروفا لأي متابع للوضع في اليمن.
- كيف تقيم الأوضاع الآن في ضوء معارك مأرب وحجة الأخيرة، والدور الذي يلعبه تحالف دعم الشرعية في إنهاء الحرب؟
خلال الفترة القصيرة الماضية تحول الوضع الميداني لصالح القوات الحكومية في أكثر من جبهة قتال في شبوة ومأرب وحجة وتعز، حيث بادرت تلك القوات - بدعم من التحالف - بالهجوم على مواقع الميليشيات التي كانت هي المهاجمة خلال العام المنصرم، والتي غرها سكوت المجتمع الدولي، ومحاولات الحكومة والتحالف إعطاء فرصة للسلام، الأمر الذي أعطى هذه الميليشيات انطباعا بأنها يمكن أن تمضي في أعمالها العسكرية ضد اليمنيين، وهو ما اقتضى إرسال رسالة قوية للميليشيات بأن الصبر عليها لا يعني الضعف، وأن مراعاة الوضع الإنساني هو الذي يقيد العمليات العسكرية ضد الانقلابيين، وقد كان للضربات الجوية للتحالف بقيادة السعودية دور كبير في ضرب البنية التحتية العسكرية للميليشيات، واستهداف قياداتها الميدانية الكبيرة بجبهات القتال.
ما يُلحظ في هذا السياق هو أن تلك الضربات التي قام بها التحالف كانت بهدف إضعاف قدرة الميليشيات على مهاجمة المدنيين بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة في اليمن والسعودية، وإيصال رسالة مفادها أن فرض إرادتهم العسكرية على اليمنيين مستحيل، وأنهم لا بد أن يعودوا للحل التفاوضي، غير أن المشكلة هنا تكمن في أن الحوثيين لن يأتوا للتفاوض إلا إذا أيقنوا أنهم سيهزمون هزيمة ساحقة، وما عدا ذلك فهم إنما يتصرفون إزاء كل مرحلة مفاوضات على اعتبار أنها مجرد استراحة محارب.
- في رأيك، لماذا رفعت إدارة بايدن الميليشيات عن قوائم الإرهاب، وكيف كانت النتائج على الشعب والحرب؟
كان الهدف من رفع الحوثيين من قوائم الإرهاب هو إرسال رسالة للحوثيين بضرورة الانخراط في عملية تفاوضية، لكنه كان في المقام الأول رسالة للإيرانيين فيما يخص مفاوضات فيينا حول الملف النووي الإيراني.
عندما رأى الأمريكيون أن رفع الحوثيين من قوائم الإرهاب زاد من غطرستهم، بدأت أصوات كثيرة تنادي بضرورة عودة الميليشيات للتصنيف الإرهابي، وهناك سبب آخر لرفع إدارة بايدن الحوثيين من قوائم الإرهاب يتمثل في محاولة الإدارة الديمقراطية الحالية نقض السياسات التي أقرتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، ضمن لعبة التنافس الانتخابي، للأسف الشديد.
- تعددت الانتهاكات بحق الأطفال، فلماذا تصمت إدارة بايدن رغم أن المبعوث الأمريكي إلى اليمن في إحاطته كان له رأي مخالف لإدارته؟
أعتقد أن مؤشرات كثيرة تشير إلى تغير في رؤية إدارة بايدن للحوثيين؛ حيث لم يعد أحد يعتقد أنهم مجرد «أقلية مضطهدة»، ولكن أصبح الكثيرون يرون أن الحوثيين «أقلية ديكتاتورية» تريد أن تنفرد بالسلطة والثروة والخطاب الديني والوطني، وكان لعدد من الكتاب والصحافيين والمشرعين الشجعان دور في كشف حقيقة الحوثيين التي ظلت إيران ودعاياتها تحاول التستر عليها باستمرار بادعاء المظلومية، كجزء من إستراتيجية طهران للتستر على سياساتها وميليشياتها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.
- الميليشيات اتخذت اليمنيين بالمناطق المحتلة دروعا بشرية، لماذا كل هذا الصمت الأممي؟
الحقيقة أن المجتمع الدولي لم يعمل الكثير إزاء كشف حقيقة ما يجري في مناطق سيطرة الحوثيين، وعادة ما تحاول إحاطات المبعوثين تلطيف تلك الجرائم، على أمل أن ذلك الأسلوب سيجعل الحوثيين يتعاطون إيجابيا مع المطالب بالعودة للتفاوض، وهو ما يولد العكس، حيث يزداد الحوثيون تعنتا، وتصبح التقارير التي ترفع لمجلس الأمن أقرب إلى التستر على حقيقة جرائم تجنيد الأطفال والاعتقالات التعسفية والخطف واستهداف المرأة والتعذيب، كما سجلت حالات قتل تحت التعذيب بالسجون السرية والعلنية، ناهيك عن عمليات النهب المستمر للمعونات الإنسانية من قبل القيادات.
- في رأيك، بعد كل هذه السنوات كيف يستمر وصول الأسلحة إلى الحوثي رغم الحصار؟
أولا اليمن يمتلك سواحل طويلة على بحرين، وهو ما يجعل عمليات مراقبة الأسلحة صعبة نوعا ما على سفن الرقابة الدولية، ثم إن إيران كانت بنت قبل عقود علاقات متينة مع شبكات تهريب وتجار أسلحة دوليين، بعضهم على قوائم العقوبات الدولية، وهذه الشبكات لديها خبرات واسعة في مجال التهريب واستعمال سفن تجارية لتهريب الأسلحة التي يتم تفكيكها قبل شحنها، ثم تهرب على شحنات يسهل تمويهها، ومن ثم يعاد تجميعها في ورش بناها الحرس الثوري الإيراني في بعض المناطق في البلاد، وهي الورش التي استهدفتها طلعات طيران التحالف الأخيرة بشكل كبير ومركز.
- رغم كل الجرائم.. لماذا لا يزال جزء كبير من اليمنيين وخاصة قبائل كبيرة إلى جانب الحوثي؟
في رأيي أن الدافع المادي يأتي في المقدمة، عندما دخل الحوثيون صنعاء جففوا كل مصادر الدخل، وأوقفوا المرتبات من أجل ألا يكون في مناطقهم أي مصدر دخل إلا لأولئك الذين يقاتلون معهم، تستخدم الميليشيا المال للتجنيد للحرب فقط، وهناك عوامل أخرى تتمثل في استهداف الحوثيين للأطفال والمراهقين بالتجنيد، حيث تُستغل غريزة الاندفاع وعدم الإدراك لدى هؤلاء الصغار للزج بهم في الحرب، ناهيك عن دعايات الحوثي عن «العدوان» التي يعمل عليها ليل نهار، إضافة إلى الطبيعة القبلية للمجتمع.
ومن أهم الأسباب التي يمكن ذكرها هنا، بطبيعة الحال، أن الشرعية لم تستطع إقامة نموذج مشجع في المناطق المحررة، بما يشجع بقية المواطنين في مناطق سيطرة الحوثي على المقارنة، كما أن غياب الشرعية عن البلاد لسنوات كثيرة كان له دور في اهتزاز صورتها في أذهان الناس، وأدى إلى انعدام الثقة بمؤسسات الدولة، وهو ما جعل الكثير من القبائل لا يتحفز كثيرا لمواجهة الحوثي، خشية التخلي عنها، وتركها وحيدة في مواجهة ميليشيا مسلحة بأسلحة فتاكة، كما حدث في دماج وحجور والحشا والعود والبيضاء وغيرها.
- في رأيك، لماذا هذه الاستماتة الإيرانية وكل هذا الدعم السخي للميليشيا؟
إيران لديها مشروع للهيمنة الإقليمية، وهي ترى أنه يقوم على نشر الفوضى لإضعاف الدول العربية تمهيدا لبسط مخططها وميليشياتها في اليمن جزء من هذا المشروع، ومن خلال تتبع سلوك هذه الميليشيات يتضح أن الإيرانيين نجحوا في أن يحولوا بلادنا إلى منصة إطلاق صواريخ ضد المملكة التي تراها إيران عقبة أمام التمدد في المنطقة العربية، ونلاحظ أن تقوية وجود الحوثيين بداية الأمر في بعض مديريات محافظة صعدة دون غيرها، تشير إلى هدف إيران من إنشاء تلك الميليشيات قرب الحدود مع المملكة العربية السعودية، إذا يقدم الحوثيون خدمات كبيرة للإيرانيين تتمثل في ضرب الأمن القومي العربي في خاصرته الجنوبية، وضرب النسيج الاجتماعي اليمني والتعايش المذهبي في البلاد، كما أن الورقة الحوثية تقوي الموقف التفاوضي لإيران في أكثر من ملف دولي، بعد أن أصبحت اليمن مرتبطة بشكل واضح بالملف النووي الإيراني على وجه التحديد.
- هل تعتقدون أن السلام ممكن التحقيق مع وجود الميليشيات؟
بات واضحا أن الميليشيات لا تسعى للسلام لأسباب في مقدمتها أنها تهرب للحرب من استحقاقات التنمية وتحمل المسؤولية، كما أن الحرب بالنسبة للحوثيين هي مشروع استثماري كبير، فمثلا بعض قيادات الحوثيين الحالية كانوا لا يملكون شيئا، وهم اليوم يسكنون القصور، من أين اغتنى هؤلاء؟ من الحرب بالطبع، إذن هل يريد هؤلاء وقف الحرب؟ الجواب لا.
والحقيقة أن بعض من اغتنى من الحرب موجود كذلك في الشرعية، وهؤلاء كانوا ضمن عوامل تأخير الحسم، وبالعودة لموضوع السلام مع الحوثي، فإن مبدأ فقهيا أساسيا لدى الحوثيين كجماعة دينية، يقول بأن مشروعية الحاكم يكتسبها إذا «خرج» أي تمرد وثار بحد السيف.
- أين وصل تطبيق تنفيذ «اتفاق الرياض»، ألا ترى أنه خطوة مهمة لحسم المعركة ضد الميليشيا؟
جاء «اتفاق الرياض» بغرض توحيد الجهود لمواجهة الميليشيات الحوثية، لكن هذا الاتفاق - بعد تنفيذ الشق السياسي منه بتشكيل الحكومة - لم يتم استكمال تنفيذ الشقين الأمني والعسكري بإخراج الأسلحة الثقيلة من المدن ودمج الأحزمة الأمنية ضمن قوات وزارتي الداخلية والدفاع وغير ذلك.
وفي المجمل، أعتقد أن هزيمة المشروع الإيراني في اليمن لا تتطلب وحدة اليمنيين ضده فقط؛ ولكن تحتم ضرورة وجود إجماع عربي على خطورته على المنطقة برمتها.