ولا بد من الإشارة إلى أن بعضا من تلك العداوات تبدأ بحادث بسيط أو كلمة عارضة!، ثم تتأجج مع الوقت والإهمال، كالنار التي تنشأ من مستصغر الشرر. وقد يغذيها أيضا سوء الظن، وعدم المصارحة مبكرا.
وسبب حديثي إليكم هي قصة عرفتها ووقفت على شيء من تفاصيلها. وهي باختصار وقعت بين شخصين حيث أصبح الرئيس مرؤوسا، والمرؤوس صار رئيسا! (وتلك هي حال الدنيا) ولكن الذي كان مرؤوسا لم يحسن إلى من أحسن إليه (رئيسه السابق)، بل أساء، مع أن العلاقة كانت في سابق عهدها حسنة في ظاهرها. وحين تبدلت الأدوار توترت العلاقات، وشحنت النفوس، وبدأت المكائد الخفية والمكشوفة. وفي الواقع ليس موضوعي من هو المخطئ أو المحق؟ فهذا شأن آخر، ولكن السؤال هل ما زالت هناك نافذة للصفح، وطي صفحة الماضي؟ (عفا الله عما سلف).
وأكاد أجزم بأن لديكم الكثير من القصص والأحداث المشابهة على مستوى الأسرة والعمل والصداقة. ومن المؤكد أنه ليس هناك حل مثالي يناسب الجميع! فالنفوس مختلفة ومعقدة. ولكن دعونا نطرح بعضا من الآراء والأفكار لعلها تفتح بابا وبصيصا من أمل حتى مع وجود الألم.
وأعرف أن البعض سيقول: ليس الذي يده في النار كالذي يده في الماء. وآخر سيقول: التنظير على الورق سهل! والجواب: أننا لم نقرر أن التسامح والعفو أمر سهل! بل هو صعب وشديد على النفس، وفيه أنين للقلوب بدون صوت. وهو يحتاج إلى قوة وعزيمة. ويذكر عن غاندي أنه قال: الضعيف لا يمكن أن يسامح، فالتسامح من صفة الأقوياء. وأما القلوب الكبيرة والقوية كالإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- فقد قال: «سامح أخاك، وما ينفعك أن يعذب الله أخاك المسلم بسببك». وأعظم من ذلك قول سبحانه وتعالى: «وليعفوا وليصفحوا ۗ ألا تحبون أن يغفر الله لكم» ومن منا لا يريد المغفرة من الله سبحانه وتعالى؟. أضف إلى ذلك قوله سبحانه وتعالى: «فمن عفا وأصلح فأجره على الله».
وحين لا تستطيع القلوب المسامحة فقد يكون من الحلول، الوسطية في التعامل مع تلك الحالات بشيء من المجاملات والرسميات، والحرص على بقاء مسافة بعيدة وآمنة بمعنى لا حرب ولا سلم!
ونحن نعلم أن القلوب ليست سواء فقد يغفر البعض ويسامح. وقد يكون البعض الآخر متشددا ومتمسكا بموقفه، ولكن ما النتائج المترتبة على ذلك؟ فلكل موقف إيجابياته وسلبياته. ودور العقل هو في الموازنة، ولكنه معلوم كذلك أن العاطفة تجنح وتغلب العقل في أحايين كثيرة!
والمشكلة الرئيسية في العداوة أنها نار في نفس الإنسان يتأذى منها قبل الآخرين حتى لو أدعى غير ذلك!. وقد رأيت أكثر من حالة من لا يستطيع أن يسامح أو ينسى حتى لو ضربت له الأمثلة بقصة يوسف عليه الصلاة والسلام وأخوته، أو موقف: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)) التي ذكرتها السيرة عند فتح مكة المكرمة. فهذه المواقف والعبر يدعي البعض أنها عالية المنزلة وخاصة بالأنبياء، ولكن القرآن الكريم يقول: «فاقصص القصص لعلهم يتفكرون».
والحقيقة أننا لا يمكن نطالب الجميع بأن يكون مثاليا، ولكن أليس للعقل حق في أن يتبصر؟!
abdullaghannam@