ليس هناك حديث في وسائل الإعلام هذه الأيام إلا تلك الأحداث بين روسيا وحلف الناتو على الأراضي الأوكرانية ومنذ بداية التهديدات والتكهنات تقول هل هي بداية حرب عالمية ثالثة أم هي حرب عبثية لفرد عضلات وإعادة خلق توازن جديد ضد الهيمنة الأحادية الأمريكية رأى الروس استغلالها لاستعادة مركزهم المحجوب فيعودون إلى المربع الأول كأحد القطبين وبقي العالم يراقب العناد هنا والتحدي هناك، خاصة أن روسيا مفاوض شرس يرتكز على مبررات هي خياره الوحيد فنجاحه بمثابة طوق نجاة يؤدي إلى تعزيز ذلك المركز بينما فشله سيقوده مع حليفه الصيني إلى تغييرات سياسية واقتصادية هو في غنى عنها، والنزاع فيه شبه كبير بما حصل أيام أزمة الصواريخ الروسية، التي نشرتها في كوبا عام 1962م جنوب الولايات المتحدة، فكان من حق روسيا الوريث الحقيقي للاتحاد السوفيتي أن تمنع تمدد حلف الناتو على حدودها، والسياسة بطبيعة الحال تحترم الأقوياء وتتأثر بالمصالح إذ لا قيمة للحريات ولا أهمية لحقوق الإنسان، فكلها شعارات للاستهلاك الإعلامي وكل ما تسمعه نهارا تهدمه وسائل الإعلام مساءً، وما سمعناه بأنها بوادر حرب عالمية بدأ بفرض العضلات العسكرية بين الدب الأبيض والبيت الأبيض تضاءل أخيرا إلى مساعدات إنسانية واستجداء منظمات ودول للانضمام إلى المقاطعة، التي ندرك أنها فرضت على إيران منذ عشرين عاما ولم تتضرر منها بشكل قوي وفعال!
ولأننا لا نعلم عما يدور خلف الكواليس لأنه لا أحد في الحرب يقول الحقيقة إلا أن أوكرانيا وقعت في الفخ وكان شعبها المشرد هو الضحية بعد أن غربلوه في الأسابيع الماضية بمنخل، كما يغربلون فيه حبات القمح والشعير، التي يملكونها وإلا فروسيا وأوكرانيا ينحدران من أصل واحد ولغتهما متشابهة وكييف كانت عاصمة روسيا القديمة قبل موسكو ومَن تخلى عن سيفه فربما يموت به.
لقد كانت أوكرانيا حديقة خلفية لروسيا غنية بالطاقة والمعادن وأنواع المحاصيل ولذا فلن تقبل أن تتحول سلة غذاء لأوروبا مع العلم بأن مساحة روسيا تعدل ضعف مساحة قارة أوروبا وتشتهر بالتنوع البشري والجغرافي، الذي يحصنها أمام المقاطعة لأطول فترة، الأمر الذي جعل الاتحاد الروسي يفرمل من هرولة الولايات المتحدة وبقية دول حلف الناتو الذين ليس لهم قضية في النزاع سوى كسر هيبة روسيا وتفتيت جمهورياتها، فكانت الصدمة أكبر من تحملهم والمفاجأة فوق تصورهم وهم يشاهدونها تحقق بعض أهدافها، فبوتين استفاد من التاريخ ولم يتورط في الحرب ويرتكب حماقة بريجنيف في أفغانستان أو إيزنهاور في فيتنام.. لأن الفارق كبير ولا خيار له هنا إلا ذلك. صحيح إن الحروب معاناة ومهرها غال، ولكن روسيا ليست بإيران وهي التي تتحكم بمفاصل النزاع حتى اليوم، كما أن أوكرانيا أقرب لها منهم ولن تقبل روسيا بأن تعود إلى الوراء وستصعد من عملياتها العسكرية وبالذات الجوية لكي تقضي على مؤسسات أوكرانيا الإلكترونية منها وتعزل أو تستبدل حكومتها كما حدث بالشيشان ثم تملي شروطها أمام تنازلات قد تكون أفضل من الدمار وزهق الأرواح وتشريد السكان، فضلا عن انقطاع مصادر الطاقة وغلاء الأسعار، التي لن يسلم منها أحد من أطراف النزاع والأمور بخواتيمها ولكل حادث حديث!..
@yan1433