عرف الاستشراق بأنه «حركة فكرية وفلسفية أسسها البيروقراط في بريطانيا بغرض فهم ثقافات، فلسفات وأديان الشرق إبان الاستعمار البريطاني للهند في أواسط القرن الثامن عشر، توسعت حركة الاستشراق في الدول الاستعمارية كبريطانيا، فرنسا، وألمانيا، ودُرِست من قبل الأكاديميين في أروقة الجامعات والمعاهد العلمية بصورة أكثر منهجية، وشملت الشرق الأقصى والأدنى والأوسط بما فيها الدول العربية». وأوضح المستشرق رودنسون «أن كلمة مستشرق ظهرت في اللغة الإنجليزية نحو عام 1779 كما دخلت كلمة الاستشراق معجم الأكاديمية الفرنسية في عام 1838 وفيها تجسدت فكرة نظام خاص مكرس لدراسة الشرق»، وعرف ألبرت ديتريش المستشرق بأنه «ذلك الباحث الذي يحاول دراسة الشرق وتفهمه»، فيما عرف نجيب العقيقي المستشرقين بأنهم «مجموعة من المفكّرين والباحثين، الذين تناولوا التّراث المشرقي -لا سيّما العربي والإسلامي- دراسةً وبحثًا وتنقيبًا، وقد عمدوا إلى تحليله وإعادة نشره مع محاولة حفظه».
وحرص المستشرقون على تنويع دراساتهم، فدرس المستشرق البريطاني جون آرثر اربري اللغة العربية وسافر إلى مصر عام 1931م لمواصلة دراسته لها، وأصدر نحو تسعين منها: تحقيق كتاب «الرياضة» للحكيم الترمذي، طبع في القاهرة 1947، «خمسون قصيدة لحافظ الشيرازى»، مع ترجمة إلى الإنجليزية، «صفحات من كتاب اللمع» وقدم له بمقدمة فيها دراسة ممتازة عن أستاذه نيكلسون، ترجمة «زنبقة سينا» لمحمد إقبال، ترجمة مسرحية «مجنون ليلى لأحمد شوقى، تحقيق كتاب «التعرف إلى أهل التصوف» للكلاباذي، فهرس المخطوطات العربية في مكتبة الديوان الهندي، 1936، فهرست الكتب الهندية بنفس المكتبة 1937، وحصل على عضوية مجمع اللغة العربية في القاهرة، ودمشق.
فيما قام المستشرق الألماني ماكس فون أوبنهايم بدراسة الأوضاع الجغرافية والتاريخية والاقتصادية والسياسية لسكان الصحراء العربية، خاصة العشائر العربية الساكنة في الجزيرة العربية، وتحدث عن عشائر العراق وسوريا وشمال الجزيرة العربية ووسطها والأردن والحجاز وفلسطين وسيناء وشط العرب، في كتابه «البدو»، الذي جاء في خمسة مجلدات تناول فيه دراسات متعمقة لحياة البدو، وصدرت منه ترجمة باللغة العربية، كما نشر كتاب «حضارة جديدة في وادي الرافدين»، وأصدر دليل «متحف تل حلف»، الواقع غربي مدينة رأس العين السورية، وساهم اوبنهايم في إنجاز موسوعته ارش بروينلش وفيرنر كاسل، التي صدرت تباعا باللغة الألمانية في خمسة مجلدات ظهر الجزء الأول منها في لايبزغ سنة 1939، والثاني في 1943، والثالث في 1952، والرابع في 1967 والخامس في 1968.
وتناول المستشرق النمساوي زامباور أنساب الأسر الحاكمة، وأصدر كتابه «معجم الأنساب والأسر الحاكمة في التاريخ الإسلامي»، منذ فجر الإسلام حتى عام 1927م، الذي يعد واحدا من الكتب التاريخية المهمة للمهتمين بدراسة التاريخ والآثار الإسلامية، واعتمد فيه زامباور على أحد أبرز الكتب المرجعية، وهو «الكامل في التاريخ» لابن الأثير وغيره من الكتب المرجعية المهمة، وصدرت منه نسختان إحداهما بالألمانية والأخرى بالفرنسية، وقامت جامعة الدول العربية على نقله للعربية، فنقله زكي محمد حسن، وطبع في مطبعة جامعة القاهرة.
@ashalabi1380