وتعزيزا لذلك الأمر الرباني أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الفداء لتحرير الأسرى من المشركين بعد غزوة أحد تعليم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة. ومن الواضح أن من أسباب هذا التوجيه قلة عدد المتعلمين وأراد الرسول الكريم إكثارهم، وهو الأمر الرباني الأول حين نزل القرآن الكريم. إلا أن في تلك الفترة كانت الكتابة وتعلمها أمرا معقدا لصعوبة توافر المواد وهي ثمينة. فصناعة الكتابه تلزم أربعة أشياء مهمة وهي المادة التي يكتب عليها والأداة التي يكتب بها والحبر وهو الناقل ثم أخيرا وسيلة الحفظ. وقد ورد أنهم كانوا يكتبون على العظام وهي ليست دقيقة فالمساحة للكتابة هنا قليلة وربما أنها كانت رموزا أو حروفا قليلة. والأساس في الكتابة في تلك الأزمنة هي الجلود وإعدادها للكتابة هو أمر شاق ويأخذ فترة طويلة من الزمن من المد ووضع الماء الحار والكشط حتى يرق. ومن جلل وعظم أمر الكتابة والكتب هو قسم الله سبحانه وتعالى بها حين ذكر في الآية الكريمة «والطور وكتاب مسطور في رق منشور».
ولاختصار القصة أن الكتابة ظلت قليلة وشحيحة ومكلفة فهي شأن من شؤون الدولة أو من عطاياها. ومثاله أن الدولة الأموية أنشأت ديوان الرسائل والذي عني بمثلها وخصصت له موارد. كما أنه ذكر في عهد معاوية بن أبي سفيان أنه أمر بكتابة عدد من الكتب في توثيق تاريخ العرب. إلا أن ما كان من انطلاقتها جاء في العصر العباسي حيث توافرت مادة كتابة جديدة أقل ثمنا وأسرع وأسهل صنعا من الورق. وقد تكون الصفة أو إرادة الله عز وجل. فحين توسع المسلمون في ذلك العصر ما وراء خراسان أسروا عددا من صناع ذاك الاختراع الصيني ونقلوه إلى الدولة الإسلامية. وكانت حينها بغداد تتلقى ذاك الورق الرخيص ثمنا وكان في متناول العديد من طبقات المجتمع وأطيافه فانتشرت الكتب وصناعتها. لا سيما أن العباسيين وأخص هنا منذ زمن هارون الرشيد والأمين والمأمون وأمروا بجلب الكتب اليونانية والفارسية وحتى الهندية منها وترجمت إلى اللغة العربية. فانتشرت العلوم المختلفة بشتى أنواعها وتطورت صناعتها.
أساس الحضارة وتطورها يبدأ بالكتابة ثم بحفظ المادة ثم بجعلها مادة مفتوحة يقرأها الجميع. والآن والحمد لله ومن فضله طورت الكاتبة حيث أصبحت إلكترونية وكثرت المراجع وليس كلها. إلا أننا ما زلنا محافظين نرى أن العلم هو علم لذاته تقوم به طائفة محددة كالأساتذة والطلبة وإلى حين تخرجهم فقط ثم يتوقف. فجامعتنا على سبيل المثال لا تتيح مكتباتها للعامه أو للباحثين وللطلبة السابقين. وحتى القلة من تلك المكتبات العامة حين تطلب مواد تقوم بتشكيل لجان لعرض صفحة من كتاب قديم أو رسالة ولو كانت خاصة وتصعب الأمر. ونأتي هنا من حيث البداية والانطلاقة: فتوافر المادة العلمية هو أساس الابتكار وتطور العلوم، فإن انقطعت أو قيل بخصوصيتها أوقفناها وتوقف لمعان الحضارة وظللنا نستورد معطياتها.
ما زلنا في البداية آملين الأفضل فالجامعات هي الأساس في انطلاق الحضارة وتطور العلوم، ولنخترع ونطور ولينطلق نور العلم والابتكار من هنا ويضيء العالم نفتخر بشمسه كما في البدايات.
@SaudAlgosaibi