[email protected]
لستُ أفهم كيف يكون للحداثة مسارها العربي الخاص، فهي كما يؤكد معظم المنظّرين لها علاقة جذرية بانعتاق أوروبا من عصر الظلمات في القرون الوسطى وانتقالها إلى عصر النهضة، فالتطور الصناعي واكبه تطور ثقافي وفكري وأدبي اصطلح على تسميته بالحداثة، وفي القرن الفائت استخدم التعبير الحداثي للدلالة على تغيّر الإنسان وتطوره رغبة منه في البحث عن جديد، وأنا لا أتحدث هنا عن الإنسان الشرقي، بل أتحدث عن الأوروبي أو الغربي، ثم ابتكرت بعد ذلك «قصيدة النثر» لتواكب منهج الحداثة الأوروبي بمفهومه المتطور الشامل، فجاءت أشعار بول ايلوار ورامبو وادجار ألان بو وسواهم؛ لتؤكد هذه المواكبة تأكيدًا عمليًا، ثم دخل الأسلوب الحداثي على الفنون التشكيلية وغيرها من الفنون والآداب في الغرب، وهذا ما حدث في القارة الأوروبية، ولكن ما حدث لم ينسجم مع ظروفنا وبيئاتنا العربية، فنحن ما زلنا «نقلد» الحداثة دون محاولة التشرب بمبادئها ومساراتها؛ لأننا غير قادرين على ذلك، رغم تأثرنا الواضح بالمذهب الحداثي، ولكننا ما زلنا نراوح في أمكنتنا بين «حداثة التقليد وتقليد الحداثة» إن جاز القول.
فمن الصعوبة بمكان «كما أرى» أن نبحث عن ذاتنا العربية داخل «قصيدة النثر»؛ لأنها لم تولد بين ظهرانينا، وإنما وفدت إلينا من خارج حدودنا كأي سلعة تجارية أخرى، قد نمارسها ولكن دون قناعة بما نفعل، فأصوات بعض الشعراء العرب الذين يمارسون هذا النوع من الشعر تبدو دون أصداء، ودون ردود فعل آنية أو غير آنية، وحتى إن حاولنا إلباس هذه الحداثة ثوبًا عربيًا «فضفاضًا»، فلا شك في أننا رغم ذلك سوف نظل نقلد الآخرين كما تفعل الببغاوات، وإزاء ذلك فلا أحسب أن بالإمكان أن تتحدث أوساطنا الأدبية والنقدية عن «حالة حداثية عربية»، فليس هناك شيء من هذا القبيل بين أوساطنا الفكرية العربية، وأظن أن من الصعب أن نتصور ذواتنا العربية «الشاعرة» مع إفرازات النصوص الحداثية الجديدة حتى وإن كانت «تقليدًا» للآخرين، ذلك أن الأذن العربية لا تُطرب عادة إلا لشعر موقع وموزون.