[email protected]
في ظل ما تلفظه مطابعنا العربية من عناوين أدبية وثقافية وفنية كل يوم أصبح لزاما علينا التفريق بين الأعمال الإبداعية، والأعمال غير الإبداعية أي أن نضع أيدينا على العمل الإبداعي وعلى العمل الذي هو مجرد كتابة عادية لا إبداع فيها، فكيف يمكننا القيام بعملية «التفريق» هذه؟.. لا شك أن العملية في ظاهرها لا تبدو سهلة ميسورة، بل صعبة ومعقدة ومتداخلة، ذلك أن العمل الإبداعي في حد ذاته لا يدور في فلك الأدب وحده، فقد نجد في الصحافة إبداعا، وفي الكتابة العلمية لا الأدبية إبداعا، وفي النقد إبداعا، ومن علامات الإبداع في أي عمل كتابي تحقيق قدر كبير من «التواصل» بين الكاتب والقارئ، أو بمعنى آخر تحقيق تأثير مباشر بين العمل وقارئه، وهذا التواصل لا بد أن يكون متوافرا في العمل الأدبي أو العلمي أو النقدي، أو في أي عمل كتابي آخر، أي لا بد أن يتمتع بقدر كاف من القدرة «التمثيلية» إن جاز التعبير بينه وبين متلقيه.. وهذه القدرة تمثل في رأيي أساس الإبداع، بل إننا عن طريقها نصل إلى عملية «التفريق» بين الأعمال الإبداعية وغير الإبداعية.
ولا أحسب أن بإمكاننا «التقنين» للإبداع، فهذه عملية غير صائبة، لأن العملية الإبداعية في حد ذاتها عملية «متحركة» تخضع بالضرورة لأي تطور قد يطرأ على أي فن من الفنون، وفي أي عصر من العصور، فالقواعد النقدية على سبيل المثال لا الحصر ليست قواعد جامدة، فقد طرأ عليها الكثير من التبديل والتعديل، وقس على ذلك ما طرأ على مختلف الكتابات الأخرى في مختلف الفنون الأدبية كالشعر والقصة القصيرة والرواية، وما نمارسه اليوم من تلك القواعد النقدية والقصصية والشعرية «المتكاملة» قد تتغير صورها في الغد القريب فتصبح «تراثا» يمكن العودة إليه بين حين وحين، ولكن لا يمكن قياس الإبداع على معطياته القديمة، وأظن من وجهة نظري الخاصة أن الإبداع يتوافر بغزارة أكثر في الأعمال الأدبية الفنية، ولا يتوافر بقدر مماثل في الأعمال العلمية الصرفة لسبب جوهري يعود إلى أن العالم عادة ينظر إلى تحليلاته بمنظار الحقائق العلمية المجردة وحدها، وهي نظرة تختلف عن نظرة الأديب والفنان لأعماله، فإذا كان الأول يستخدم مدلولاته العقلية في عمله التحليلي، فإن الآخر يتعامل مع العاطفة ولغاتها المختلفة التي قد تتجاوز لغة الحقائق إلى لغة الأخيلة.