مما لا شك فيه ودون ريب حبنا للذات «للأنا» لا نرضى لأحد أن يفضلنا إلا أولادنا، نتطلع أن نراهم متفوقين لنطمئن عليهم ونفخر بهم وليكونوا عونا لنا عند الحاجة. لذا نسعى دوما أن يكونوا الأحسن في دراستهم ومراتبهم الوظيفية ومستواهم المادي. يهمنا أمرهم نسخر كل الإمكانات لرعايتهم وتربيتهم من وقت ومال وجهد في سبيل تحقيق ذلك نضحي من أجلهم. غير أن بعضنا يضل الطريق متبعا نهجا لا يناسب العصر وربما يخالف الشرع من حيث لا يدري. لا يحافظ على تراث الماضي من الأخلاق والدين ويربطها بالحاضر أو يفهمها خطأ مثلا - خوفا على ابنه من الانحراف - يصحبه لمجالسة الكبار وأين ذهب لا يتركه وحده لا يكلفه بأداء مهمة، هو من يختار له الخيارات التي أغلبها لا تناسب زمانه حتى الأكل دون أن يكون للابن دور فيها أو مراعاة طفولته، وعليه أن يطيع ولو كان كارها حتى وإن تزوج وخلف. الأب من يدير حياة الولد والحفيد، يحرمه من التعرف على أصدقاء أو يلتحق بناد رياضي أو ثقافي أو يمارس ألعابا ولا يسمح له بأن يشارك أترابه في رحلة سياحية أو يعتمد على نفسه في الحاجات التي تناسبه، أو الإهمال بالكامل للأولاد لا يعلم ليلا أكانوا نياما في البيت أو خارجه. أنت أيها الأب بهذا تجاوزت الخطوط الحمراء في التربية ودخلت دائرة الخطر. في بيتك قنبلة موقوتة من حيث لا تعلم متى تحين ساعة الصفر فتنفجر ويخرج ابنك عن سيطرتك إلى الشارع هربا من قبضتك الحديدية وأفكارك الاستبدادية أو إهمالك له فتتلقاه أيادي الإجرام وتغريه بالمال والانفتاح المزيف فيتبعها تعويضا عما فاته لعدم خبرته في الحياة ومعرفته بالأشرار، إلى أن يتحول إلى عاق مفسد في المجتمع منتقم منه ومنك، وآخرون يحرمون أولادهم من الرعاية فيتحولون إلى سراق أو يقعون في براثن الرذيلة، ومن يزايدون في عطائهم المادي المفرط لأولادهم ويتباهون وكلما أهلك سيارة أو دراجة بطريقة متعمدة معرضا أرواح المجتمع للموت، أو أقلها الإزعاج المؤذي لا يهمه، بل يقول سلامتك يا بني المال يفداك دون توجيه النصح له والإرشاد أو متابعة تحركاته خارج البيت والمدرسة وأوقات فراغه وما فعل؟ ويفعل. لا منع العطاء أو الصرف الزائد في غير حاجة رعاية ولا سلب الرأي والحرمان من مشاركة المجتمع والترك تربية.
لهذا شوهد الكثير من الأولاد «عفوا» وبعض البنات خصوصا نهاية الامتحانات أو أثناء العطل «وإن كانت المدرسة أو العطلة لا تعنيهم» يستعرضون عضلاتهم يتلفظون بكلمات غير لائقة وحركات بهلوانية بسياراتهم ودراجاتهم في الشوارع العامة وأزقة الأحياء «والكل يلعن تربيتهم ورعايتهم» وما ذاك إلا لخوف هؤلاء على صغارهم أو دخل الضرر إلى بيوتهم خاصة في الأوقات المتأخرة من الليل. وقد يكون السبب كما ذكرنا من شدة ما كانوا يلاقون من معاملة أبوية قاسية كتم أنفاس وتقييد حريات أو منع مال ودلال زائد عن الحاجة إلى أن سرق الأول فدخل السجن وتعلم من الجرائم ما كانت غائبة عنه وتعاطى الآخر ممنوعات سلبته عقله وحجمت فكره وأفقدته أحاسيسه فصار لا يشعر بتصرفاته المشينة أصح هي أم خطأ. لذلك علينا إن كنا نحب أولادنا حقا ولا تلاحقنا لعنات المجتمع بسببهم «كما نكره أن نؤذى لا نأذي» أن نحميهم من الفاسدين بالطريقة المعتدلة في الرعاية والتربية قبل أن يتمكن منهم المجرمون «ويقع الفأس في الرأس» وقتها لا ينفع الندم ولا يمكن تغيير حالهم لأنهم أصيبوا بأمراض تصعب معالجتها ولا يرجى شفاؤها. نراعي الوسطية لحفظهم وكما ذكر الناشط الاجتماعي عبدالمحسن حسن الناصر (الأوجام) في مقطع مرئي له جاء فيه مختصرا (أن الرعاية تختص بالجوانب المادية من مأكل وملبس ومصاريف دراسية وعلاج وغيرها والتربية تعني شيئا آخر هو الاهتمام المعنوي من غرس القيم والمبادئ في النفوس إلى الحث على التمسك بقيم الدين من عبادات وأخلاق وتعاملات وغيرها وإنهما أي الرعاية والتربية توأمان لا ينفصلان يكمل كلاهما الآخر)، من هنا نتفهم ما هو دورنا في انتقاء الرعاية والتربية وألا نهتم بجانب دون الآخر حتى نحقق ما يلزمنا فعله مع الأولاد وتأتي متاعبنا وتضحياتنا بثمار يانعة.